[ما جاء في الرخصة بالوضوء والغسل من الماء الموجود في أواني أهل الشرك]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في الوضوء والغسل من الماء الذي يكون في أواني أهل الشرك وأسقيتهم، والدليل على أن الإهاب يطهر بدباغ المشركين إياه.
أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا يحيى بن سعيد القطان وابن أبي عدي وسهل بن يوسف وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي قالوا: حدثنا عوف عن أبي رجاء حدثنا عمران بن حصين قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فدعا فلاناً، ودعا علياً بن أبي طالب فقال: اذهبا فابغيا لنا الماء، فانطلقا، فلقيا امرأة بين سطيحتين أو بين مزادتين، على بعير فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة)].
يعني: بينها وبينه يوم وليلة، كانوا يذهبون إليه ويأتون به على الإبل، ليس عندهم سيارات كما هو الآن.
قال: [(ونفرنا خلوفاً، فقالا لها: انطلقي، فقالت: أين؟ قالا لها: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: هذا الذي يقال له: الصابئ؟ قالا لها: هو الذي تعنين، فانطلقا، فجاءا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدثاه الحديث، فقال: استنزلوها من بعيرها، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء، فجعل فيه أفواه المزادتين، أو السطيحتين، قالا: ثم مضمض، ثم أعاد في أفواه المزادتين، أو السطيحتين، ثم أطلق أفواههما، ثم نودي في الناس: أن اسقوا واستقوا) وذكر الحديث بطوله].
هذا حديث طويل في قصة المرأة، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يجمعوا لها من كسر الخبز وغيره، وأعطوها، فرجعت إلى أهلها.
فهذا الحديث احتج به المؤلف رحمه الله على أن دباغ المشركين للجلد يطهره، وأن أواني المشركين لا بأس بها، هذا ما احتج به المصنف، لكن قد يقال: هذا أولاً قبل أن تحرم أواني الكفار، والأحاديث التي فيها أن الدباغ والطهور في بعضها إذا دبغ الجلد فقد طهر، والجمهور على أن دباغ الجلد بمثابة التذكية لما يؤكل لحمه، فإذا مات ما يؤكل لحمه فجلده يطهره الدباغ، بخلاف الأسد والنمر والذئب والكلب وغيرها من الحيوانات المفترسة لا تطهرها التذكية، فلو ذبحت الذئب لم يجز أكله، فكذلك إذا دبغت جلده لا يجوز الانتفاع به، وقال آخرون من أهل العلم: إن الدباغ يطهر كل جلد، سواء ما يؤكل لحمه أو ما لا يؤكل لحمه، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم.
وعلى هذا القول فإن الذكاة تطهر الجلد، والأواني كذلك تكون طاهرة، وفي حديث أبي ثعلبة الخشني قال: إنا بأرض أهل الكتاب، فنأكل في آنيتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن لم تجدوا بداً فاغسلوها وكلوا).
يعني: إذا كان يخشى أن تكون من أواني كفار، وهم قد يشربون فيها الخمر، أو يأكلون فيها الخنزير، وإن لم يخش فالأصل الطهارة.