[صلاة النبي الصلوات الخمس بوضوء واحد يوم الفتح]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الله عز وجل إنما أوجب الوضوء على بعض القائمين إلى الصلاة لا على كل قائم إلى الصلاة في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:٦]، الآية.
إذ الله جل وعلا ولى نبيه صلى الله عليه وسلم بيان ما أنزل عليه خاصاً وعاماً، فبين النبي صلى الله عليه وسلم بسنته أن الله إنما أمر بالوضوء بعض القائمين إلى الصلاة لا كلهم، كما بين عليه الصلاة والسلام أن الله عز وجل أراد بقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:١٠٣]، بعض الأموال لا كلها.
وكما بين بقسمة سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني عبد المطلب أن الله أراد بقوله: (ولذي القربى) بعض قرابة النبي صلى الله عليه وسلم دون جميعهم، وكما بين أن الله أراد بقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:٣٨]، بعض السراق دون جميعهم، إذ سارق درهم فما دونه يقع عليه اسم سارق، فبين النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (القطع في ربع دينار فصاعداً) أن الله إنما أراد بعض السراق دون بعض بقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:٣٨]، الآية.
قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:٤٤].
حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان، وحدثنا أبو موسى حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي - حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: يا رسول الله! إنك فعلت شيئاً لم تكن تفعله، قال: إني عمداً فعلته يا عمر)، هذا حديث عبد الرحمن بن مهدي].
روى سفيان هذا الحديث عن علقمة بن مرثد ومحارب بن دثار، أما روايته عن علقمة فرواها عنه عبد الله بن نمير موصولاً عند الإمام مسلم في الطهارة، وكذلك يحيى بن سعيد عند الإمام أحمد وأبي داود.
وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات الخمس كلها بوضوء واحد يوم الفتح لبيان الجواز، فلما سأل عمر (إنك فعلت شيئاً لم تكن تفعله، قال: عمداً فعلته يا عمر)، فلا بأس أن يصلي الإنسان خمس صلوات أو ست صلوات بوضوء واحد إذا كان ضابطاً للوضوء.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن حسين الدرهمي بخبر غريب غريب، قال: حدثنا معتمر عن سفيان الثوري عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، إلا يوم فتح مكة فإنه شغل فجمع بين الظهر والعصر بوضوء واحد).
وحدثنا أبو عمار حدثنا وكيع بن الجراح عن سفيان عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة عن أبيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم فتح مكة صلى الصلوات كلها بوضوء واحد)].
المؤلف رحمه الله ساق الحديث من طريقين: من طريق سفيان عن محارب بن دثار، ومن طريق سفيان عن علقمة بن مرثد.
والذي رواه عن سفيان: وكيع بن الجراح، والمعتمر.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو بكر -وهو ابن خزيمة -: لم يسند هذا الخبر عن الثوري أحد نعلمه غير معتمر ووكيع، ورواه أصحاب الثوري وغيرهما عن سفيان عن محارب عن سليمان بن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان المعتمر ووكيع مع جلالتهما حفظا هذا الإسناد واتصاله فهو خبر غريب غريب].
وذلك لأن فيه: أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، وأنه في يوم الفتح صلى صلاتين بوضوء واحد.