[ذكر الدليل على أن الكعبين هما العظمان الناتئان في جانبي القدم عند الوضوء]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدليل على أن الكعبين اللذين أمر المتوضئ بغسل الرجلين إليهما، العظمان الناتئان في جانبي القدم، لا العظم الصغير الناتئ على ظهر القدم على ما يتوهمه من يتحذلق ممن لا يفهم العلم ولا لغة العرب].
وهذه المسألة بينتها النصوص والأحاديث، وقال الله تعالى في آية الوضوء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:٦]، فالكعبان هما: العظمان الناتئان عند أهل السنة في جانبي القدم، فكل رجل فيها عظمان، وقال الرافضة: ليس في كل رجل إلا عظم واحد، وهو الذي عند معقد القدم، أي: في ظهر القدم عند مجتمع الساق، وهو شيء خفيف العظم غير واضح، وقالوا: ليس في كل رجل إلا عظم واحد، وقالوا: إن الرجل تمسح إلى العظم، وهذا باطل؛ لأن الله تعالى قال: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:٦]، ولم يقل: إلى الكعاب، فلو كان في كل رجل عظم واحد لقال: إلى الكعاب مثلما قال: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:٦]؛ لأن القاعدة: أن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحاداً.
فإذا قابل اليدين بالمرافق دل على أن في كل يد مرفقاً، ولو كان في كل رجل كعب واحد كما تقول الرافضة لقال: (وأرجلكم إلى الكعاب) ولم يقل: (الكعبين) كما قال: (إلى المرافق)، فلما قال الله: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:٦] دل على أن في كل رجل كعبين لا كعب، بخلاف المرافق فإنه في كل يد مرفق لا مرفقان.
هنا قصد ابن خزيمة رحمه الله: أن يرد على الرافضة الذين يقولون: في كل رجل كعب لا كعبان.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد أخبره أن حمران أخبره: (أن عثمان رضي الله عنه دعا يوماً وضوءاً فذكر الحديث في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات واليسرى مثل ذلك).
قال أبو بكر: في هذا الخبر دلالة على أن الكعبين هما: العظمان الناتئان في جانبي القدم، إذ لو كان العظم الناتئ على ظهر القدم لكان للرجل اليمنى كعب واحد لا كعبان].
وهما العظمان البارزان، ولأن الكعب من التكعب وهو العلو، فإنما سميت كعباً؛ لأنها بارزة، ومنه تكعب ثدي المرأة لبروزه وهذان بارزان، بخلاف الكعب الذي يقول الرافضة: العظم الذي ليس ببارز عند أصل الساق بين مجتمع القدم والساق، فهذا خفي ليس ببارز، أما الكعب: فمن التكعب، وهو: البروز والظهور.
[أخبرنا أبو عمار، أخبرنا الفضل بن موسى، عن زيد بن زياد - هو ابن أبي الجعد - عن جامع بن شداد عن طارق المحاربي قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في سوق ذي المجاز، وعليه حلة حمراء وهو يقول: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، ورجل يتبعه يرميه بالحجارة حتى أدمى كعبيه وعرقوبيه، وهو يقول: يا أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذاب، فقلت: من هذا؟ قالوا: غلام بني عبد المطلب فقلت: من هذا الذي يتبعه يرميه بالحجارة؟ قالوا: هذا عبد العزى أبو لهب)].
قال في تخريجه: [إسناده صحيح أخرجه البيهقي].
والشاهد قوله: (يرميه بالحجارة حتى أدمى كعبيه) يعني: أثبت أن في كل رجل كعبين، خلافاً للرافضة القائلين: إن في كل رجل كعباً واحداً؛ لأن مذهب الرافضة عدم غسل الرجلين، قالوا: لا يجب غسل الرجلين، فإذا كانت الرجلان مكشوفتين، فإنما تمسحان، فتمسح ظاهر القدم إلى الكعب الذي في أصل الساق، وإذا كان فيهما الخفان وجب خلع الخفين ومسح ظهور القدمين، فإذاً: الرجلان لا تغسلان ولا تمسحان، فليس هناك مسح ولا غسل، ولهذا يذكر العلماء مسح الخفين في كتب العقائد يقولون: ونرى المسح على الخفين، وإن كانت المسألة فرعية، والأصل أن تذكر في مسائل أبواب الفقه، لكن العلماء يذكرونها في كتب العقائد للرد على الرافضة؛ لأن هذه عقيدة للرافضة، يعتقدون أن الرجلين لا تغسلان في الوضوء، وأن الخفين لا يمسحان، فإن كانت الرجلان مكشوفتين وجب مسح ظهور القدمين بدون غسل، وإن كانت الرجلان عليهما خف وجب خلع الخفين ونزعهما ومسح ظهور القدمين، فالعلماء يردون عليهم في كتب العقائد ويقولون: ونرى المسح على الخفين، يعني: نعتقده خلافاً للرافضة.
قال أبو بكر رحمه الله: [وفي هذا الخبر دلالة أيضاً على أن الكعب هو: العظم الناتئ في جانبي القدم، إذ الرمية إذا جاءت من وراء الماشي لا تكاد تصيب القدم، إذ الساق مانع أن تصيب الرمية ظهر القدم].
يعني: استدلال ابن خزيمة رحمه الله يقول: خلفه رجل يرميه بالحجارة حتى تصيب قدميه، فالقدم هذا بارز تصيبه الحجر، لكن لو كان المراد: العظم الذي في الخلف فإن الساق يمنعه ولا تأتي الضربة في العظم الصغير الذي في مجتمع الساق، أما العظمان الناتئان فالحجر يصيبهما؛ لأنهما بارزان، فهذا استدلال دقيق لـ ابن خزيمة رحمه الله في الرد على الرافضة.
قال: [أخبرنا سلم بن جنادة، أخبرنا وكيع عن زكريا بن أبي زائدة، حدثنا أبو القاسم الجدلي قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنه، وحدثنا هارون بن إسحاق، حدثنا ابن أبي غنية عن زكريا عن أبي القاسم الجدلي قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: (أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم - ثلاثاً - والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم، قال: فرأيت الرجل يكون كعبه بكعب صاحبه وركبته بركبة صاحبه ومنكبه بمنكب صاحبه).
هذا لفظ حديث وكيع].
والشاهد قوله: يلصق كعبه بكعبه، أي: كعب الإنسان يحاذي كعب من بجواره، وهذا يدل على أن المراد بالكعب العظم الناتئ، فلو كان المراد: العظم الذي في أصل الساق فكيف يلصق كعبه بكعب صاحبه، هذا بعيد جداً، لكن إذا كان الكعب البارز هو الذي يحاذي كعب من بجواره، فهذا وجه الدلالة.
قال أبو بكر رحمه الله: [أبو القاسم الجدلي هذا هو حسين بن الحارث من جديلة قيس، روى عنه زكريا بن أبي زائدة وأبو مالك الأشجعي وحجاج بن أرطاة وعطاء بن السائب، عداده في الكوفيين، وفي هذا الخبر ما نفى الشك والارتياب أن الكعب هو العظم الناتئ الذي في جانب القدم، الذي يمكن القائم في الصلاة أن يلزقه بكعب من هو قائم إلى جنبه في الصلاة، والعلم محيط عند من ركب فيه العقل أن المصلين إذا قاموا في الصف لم يمكن أحد منهم إلصاق ظهر قدمه بظهر قدم غيره، وهذا غير ممكن، وما كونه غير ممكن لم يتوهم عاقل كونه].
قال في تخريجه: [إسناده صحيح أخرجه أبو داود، وأشار الحافظ في التقريب إلى رواية ابن خزيمة هذه].