[ما جاء في الرخصة في ترك التباعد عن الناس عند البول]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في ترك التباعد عن الناس عند البول.
حدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن حذيفة قال:(لقد رأيتني أتمشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهى إلى سباطة قوم فقام يبول كما يبول أحدكم، فذهبت أتنحى منه فقال: ادنه، فدنوت منه حتى قمت عند عقبه حتى فرغ)].
الحديث هذا رواه البخاري في صحيحه، ورواه أبو داود والنسائي وغيرهم.
وهو من أصح الأحاديث، وفيه دليل على جواز البول قائماً عند الحاجة، بشرط أن يستتر عن الأعين.
وقال بعضهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بال قائماً لوجع في صلبه، وأن البول حال القيام يستشفى به من وجع الصلب.
وقال آخرون: إنما بال قائماً لوجع في مأبضه وهو باطن الركبة، وكل هذا ليس بصحيح، والصواب أنه بال قائماً للحاجة ولبيان الجواز، والحاجة داعية إلى هذا إما لأن المكان غير مناسب؛ لأنه يرتد إليه البول، أو لأن الأرض صلبة، أو لغير ذلك من الأسباب، فدل هذا على الجواز، لكن بشرط أن يستتر عن الأعين؛ ولهذا ستره حذيفة والجهة الأخرى فيها الجدار، والأكثر من فعله عليه الصلاة والسلام أنه يبول قاعداً، ولهذا أنكرت عائشة على من قال: إنه بال قائماً، فقالت:(من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً فلا تصدقوه، ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول إلا قاعداً).
وهذا إنما أخبرت عما رأته في البيوت، لكن حذيفة أخبر عما رآه خارج البيوت، والقاعدة أن المثبت مقدم على النافي، فهي نفت؛ لأنها ما علمت، لكن علم هذا حذيفة، وهذا محمول على أن الأكثر من فعله عليه الصلاة والسلام البول قاعداً، أما البول قائماً فإنما فعل هذا مرة.
فإن قيل: هل البول قائماً يحمل على الكراهة؟ أقول: لا، ليس فيه كراهة؛ لأن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه كراهة، لكن الأفضل البول قاعداً، وإذا بال قائماً فلا حرج، لكن مع الأخذ بالاحتياطات: من التستر عن الأعين، ومن عدم رجوع البول على البائل، وغير ذلك.