[ما جاء في تفسير حديث أبي أيوب وجابر في النهي عن استقبال القبلة ببول أو غائط]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الخبر المفسر للخبرين اللذين ذكرتهما في البابين المتقدمين، والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن استقبال القبلة واستدبارها عند الغائط والبول في الصحاري والمواضع اللواتي لا سترة فيها، وأن الرخصة في ذلك في الكنف والمواضع التي فيها بين المتغوط والبائل وبين القبلة حائط أو سترة].
يعني: هذا يفسر الحديثين السابقين: حديث: (فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها) يعني: في البنيان لا في الصحراء وحديث أبي أيوب الذي قبل هذا، ولهذا بين المؤلف في الترجمة أن هذا يقيد الأحاديث السابقة.
قال: [حدثنا محمد بن بشار ويحيى بن حكيم قالا: حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله وحدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا عبد الأعلى حدثنا عبيد الله وحدثنا محمد بن معاوية البغدادي حدثنا هشيم عن يحيى بن سعيد وحدثنا محمد بن الوليد حدثنا عبد الوهاب - يعني الثقفي - سمعت يحيى بن سعيد وحدثنا محمد بن عبد الله المخزومي حدثنا أبو هشام - يعني المخزومي - حدثنا وهيب عن عبيد الله ويحيى بن سعيد وإسماعيل بن أمية وحدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أيوب أخبرني ابن عجلان قال بندار في حديثه: حدثني، وقال يحيى بن حكيم: حدثنا، وقال محمد بن الوليد سمعت وقال الآخرون: عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن ابن عمر قال: (دخلت على حفصة بنت عمر، فصعدت على ظهر البيت، فأشرفت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على خلائه مستدبر القبلة متوجهاً نحو الشام).
هذا لفظ حديث عبد الأعلى وفي خبر أبي هشام (مستقبل القبلة)].
هذا الحديث رواه البخاري ومسلم.
هذا هو مقيد للأحاديث السابقة، فيدل على أنه في البنيان لا بأس به، وإنما النهي يكون في الصحراء.
قال: [حدثنا محمد بن يحيى حدثنا صفوان بن عيسى عن الحسن بن ذكوان عن مروان الأصغر قال: (رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليها، قلت: أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا؟ قال: بلى، إنما نهي عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس)].
هذا الحديث أخرجه أبو داود.
كان ابن عمر أخذ هذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما رآه مستدبر الكعبة مستقبل الشام، رأى أنه إذا حال بينه وبينه حائل فلا بأس، ولهذا جعل راحلته بينه وبين القبلة ثم قضى حاجته، لكن ينبغي أن يتجنب هذا في الصحاري؛ لأنه ليس ستراً كاملاً بخلاف الكنف، الحمامات داخل البيوت.
فعلى مذهب ابن عمر إذا كان بينه وبين القبلة جدار أو شجرة أو دابة أو سيارة فهذا لا بأس.
كذلك الاستدبار حكمه حكم الاستقبال.
وهذه المسألة فيها لأهل العلم ثمانية أقوال: من العلماء من يجيزه مطلقاً.
ومنهم من يمنعه مطلقاً.
ومنهم من يجيز الاستقبال.
ومنهم من يجيز الاستدبار.
ومنهم من يقول: إن هذا منسوخ، وهناك أقوال كثيرة، لكن أرجحها أنه يحرم الاستقبال والاستدبار في الصحراء، ولا يحرم في البنيان، وهذا هو الذي عليه الأئمة، وهو اختيار البخاري رحمه الله في تراجمه، وابن خزيمة وغيرهما من أهل العلم.