[ذكر من فهم أن الوضوء لا يجب إلا من سماع صوت أو رائحة]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر خبر روي مختصراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوهم عالماً ممن لم يميز بين الخبر المختصر والخبر المتقصى أن الوضوء لا يجب إلا من الحدث الذي له صوت أو رائحة.
حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت سهيل بن أبي صالح يحدث عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وحدثنا سلم بن جنادة حدثنا وكيع عن شعبة، وحدثنا بندار وأبو موسى قالا: حدثنا عبد الرحمن حدثنا شعبة، وحدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد -يعني ابن الحارث - حدثنا شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء إلا من صوت أو ريح)].
هذا الحديث إسناده صحيح أخرجه ابن ماجة.
يحتمل أن المراد بعالم جنس العلماء.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء إلا من صوت أو ريح)، قول مختصر.
وهناك من فهم أنه لا يجب الوضوء من غير ما ذكر في الحديث.
فهذا الحديث أوهم بعض العلماء أن الحدث لا يكون إلا بالصوت والريح.
والجواب عليه أن هذا تنبيه بالأدنى على الأعلى فإذا كان الصوت والريح منه الوضوء فما كان أشد كالبول أو الغائط من باب أولى.
وفي الحديث عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، وفي صحيح مسلم (لا يقبل الله صلاة من غير طهور، ولا صدقة من غلول).
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الخبر المتقصي للفظة المختصرة التي ذكرتها، والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعلم أن لا وضوء إلا من صوت أو ريح عند مسألة سئل عنها في الرجل يخيل إليه أنه قد خرجت منه ريح، فيشك في خروج الريح.
وكانت هذه المقالة عنه صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء إلا من صوت أو ريح)، جواباً عما عنه سئل فقط، لا ابتداء كلام مسقطاً بهذه المسألة إيجاب الوضوء من غير الريح التي لها صوت أو رائحة.
إذ لو كان هذا القول منه صلى الله عليه وسلم ابتداء من غير أن تقدمته مسألة، كانت هذه المقالة تنفي إيجاب الوضوء من البول والنوم والمذي، إذ قد يكون البول لا صوت له ولا ريح].
إذ قد يقال: (لا وضوء إلا من صوت أو ريح)، معناه أن المذي والبول ليس فيه وضوء، هذا لو قالها ابتداء من غير سبق سؤال، لكنه صلى الله عليه وسلم ما قالها ابتداء إنما كانت جواباً عن مسألة سئل عنها وليس المراد بها النفي العام.
وعلى ذلك القول فالذي يجد في بطنه قرقرة يقول: (لا وضوء إلا من صوت أو ريح)، فيتوضأ في هذه الحالة.
إذاً: ليس المراد من الحديث أن الإنسان لا يتوضأ من البول والغائط، فقد دلت على ذلك أدلة أخرى.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذ قد يكون البول لا صوت له ولا ريح، وكذلك النوم والمذي لا صوت لهما ولا ريح وكذلك الودي].
والمذي هو ما يخرج عند الملاعبة وعند الشهوة على رأس الذكر، وهو نجس نجاسة خفيفة، والودي: سائل أبيض يحدث بعد البول.
والمني هو سائل أبيض متدفق يخرج بلذة عند جماع أو احتلام أو نحوهما.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بشر الواسطي حدثنا خالد -يعني ابن عبد الله الواسطي - عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل خرج منه شيء أو لم يخرج، فلا يخرجن حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)].
والمراد أنه إذا وجد في بطنه شيئاً فلا يخرج حتى يتحقق بسماع صوت أو شم رائحة؛ لأنه دخل الصلاة بيقين أنه على طهارة، فلا يخرج من اليقين بالشك، ولا يخرج من اليقين إلا باليقين، أو يغلب على ظنه أنه خرج منه شيء.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير حدثني عياض أنه سأل أبا سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدثنا سلم بن جنادة القرشي حدثنا وكيع حدثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن عياض بن هلال عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيقول: إنك قد أحدثت.
فليقل: كذبت، إلا ما وجد ريحه بأنفه أو سمع صوته بأذنه)، هذا لفظ وكيع].
قوله: (فليقل: كذبت) أي: فليقل في نفسه: كذبت، ولا ينطق بلسانه.
[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيقول: إنك قد أحدثت فليقل: كذبت إلا ما وجد ريحه بأنفه، أو سمع صوته بأذنه) هذا لفظ وكيع.
قال أبو بكر: قوله: (فليقل: كذبت) أراد فليقل: كذبت بضميره لا ينطق بلسانه].
هذا قاله أبو بكر وهو ابن خزيمة، يعني: فليقل: كذبت في نفسه ولا يتلفظ بلسانه.
[قال أبو بكر: قوله: (فليقل: كذبت) أراد فليقل: كذبت بضميره لا ينطق بلسانه، إذ المصلي غير جائز له أن يقول: كذبت نطقاً بلسانه].
وهذا صحيح.