للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونطرد عنها طردًا". أخرجه ابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، والطيالسي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

وعن عبد الحميد بن محمود قال: صليت مع أنس بن مالك يوم الجمعة فدفعنا إلى السواري فتقدمنا وتأخرنا فقال أنس: "كنا نتقي هذا على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". أخرجه أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن حبان، والحاكم.

قال البيهقي: هذا -والله أعلم- لأن الأسطوانة تحول بينهم وبين وصل الصف، فإن كان منفردًا ولم يجاوزا ما بين الساريتين لم يكره إن شاء الله تعالى. لما روى البخاري أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل الكعبة وصلى في بين العمودين المقدمين (١).

ورخص مالك في الصلاة بينها عند الزحام، فقال: لا بأس في الصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد. اهـ.

- ومن المخالفات أيضًا: ما اعتاده بعض الناس من تقبيل المصحف وغالبًا ما يكون هذا بعد الفراغ من القراءة أو عندما يجد المصحف في مكان ممتهن، ولا ريب أن فاعل ذلك الشيء قصده احترام المصحف وصونه عن الإهانة إلا أن صلاح النية ليس دليلًا على صلاح العمل.

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- عن القيام للمصحف وتقبيله؟ وهل يُكره أيضًا أن يفتح فيه الفأل؟

فأجاب -رحمه الله تعالى- بما نصه: الحمد لله، والقيام للمصحف وتقبيله لا نعلم فيه شيئًا مأثورًا عن السلف.

وقد سُئل الإمام أحمد عن تقبيل المصحف؟ فقال: ما سمعت فيه، ولكن روي عن عكرمة بن أبي جهل أنه كان يفتح المصحف ويضع وجهه عليه ويقول: كلام ربي، كلام ربي، ولكن السلف وإن لم يكن من عادتهم القيام له، فلم يكن من عادتهم قيام بعضهم لبعض. اللهم إلا لمثل القادم من مغيبة ونحو ذلك.

ثم قال بعد كلام له: وأما استفتاح الفأل في المصحف، فلم ينقل عن السلف فيه شيء، وقد تنازع فيه المتأخرون، وذكر القاضي أبو يعلى فيه نزاعًا، ذكر عن ابن بطة أنه فعله، وذكر عن غيره أنه كرهه، فإن هذا ليس الفأل الذي يحبه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه كان يحب الفأل ويكره الطيرة.

والفأل الذي يُحبه هو أن يفعل أمرًا أو يعزم عليه متوكلًا على الله، فيسمع الكلمة الحسنة التي تسره، مثل أن يسمع: يا نجيح، يا مُفلح، يا سعيد، يا منصور، ونحو ذلك ... إلخ كلامه -رحمه الله تعالى-. (مجموع الفتاوى ٢٣، ص ٦٥، ٦٦).

- ومن المخالفات أيضًا: التنطع في قراءة القرآن الكريم.

فإن بعض القراء ينفرون من سماع كلام الله تعالى، وذلك عائدًا إلى تنطعهم في القراءة والتكلف في إخراج الحروف بطريقة متعنتة.

والله تعالى يقول: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: ١٧].

قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: يعني هونا قراءته. وقال السدي: يسرنا تلاوته على الألسن.


(١) مختصرًا من السنن الكبرى: (٣/ ١٠٤).

<<  <   >  >>