للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأولى: أن لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة.

الثانية: أن الملائكة تصلي عليه ما دام في المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد تقول: (اللهم صلّ عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه).

ومن قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمرًا على نية انتظار الصلاة كان كذلك -إن شاء الله-؛ لأن قوله: "في مصلاه" خرج مخرج الغالب، وهذا هو الظاهر (١)، وسيأتي زيادة بيان لذلك إن شاء الله.

الثالثة: أنه لا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة.

ولا ريب أن هذه الفوائد لا يحصل عليها ويظفر بها إلا من صلى مع الجماعة في المسجد، أما من صلى في بيته منفردًا أو في جماعة فإن هذه المزايا لا تحصل له؛ فإن قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثم خرج إلى المسجد" وصف لا يجوز إلغاؤه، وعليه فالتضعيف خاص بمن صلى في المسجد (٢).

وهناك بشارة عظيمة لمن صلى مع الجماعة، يرويها لنا عن نبي الهدى والرحمة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ونصها: "من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو مع الجماعة أو في المسجد غفر له ذنوبه" (٣). فقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة" مؤيد لقوله في الحديث المتقدم: "ثم خرج إلى المسجد".

ولقد زهد في هذا الثواب العظيم كثير من الناس في زماننا هذا مع كثرة المساجد وقربها من البيوت، فصاروا يتخلفون عن صلاة الجماعة عمومًا، أو عن صلاة الفجر خصوصًا، ثم يذكرون أعذارًا لا تنفعهم عند الله، وهم يتقلبون في نعم الخالق من المال والصحة والمسكن والأمن.

إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يرخص لعبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنه- في التخلف عن صلاة الجماعة، مع وجود أعذار ستة، دلت عليها النصوص (٤)، وإليك بيانها؛ لتعلم تأكيد الإسلام لصلاة الجماعة، ولتعلم أن هذه الأعذار لو كانت موجودة لديك فلا رخصة لك في التخلف، ولو وجد عذر واحد فقط فلا رخصة لك من باب أولى، فكيف وليس لك عذر؛! اقرأها أو اسمعها وكن منصفًا .. :

١ - العذر الأول: كونه فاقد البصر.

٢ - العذر الثاني: عدم وجود قائد يرافقه إلى المسجد. وقد دل على هذين العذرين حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى النبّي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل أعمى، فقال: يا رسول الله إنه ليس لى قائد يقودني إلى المسجد.

فسأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: "هل تسمع النداء بالصلاة"؛ فقال: نعم، قال: "فأجب" (٥).

٣ - العذر الثالث: بُعْدُ داره عن المسجد. وقد دل عليه ما رواه عبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنه- أنه سأل

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله! إني رجل ضَريرُ البصر، شاسع الدار، ولي قائد لا يلاومني (لا يلايمني) فهل في رخصة أن أصلي في بيتي؟


(١) فتح الباري (٢/ ١٣٦)، وانظر: الموطأ (١/ ١٦١).
(٢) المصدر السابق.
(٣) أخرجه مسلم (٢٣٢).
(٤) انظر كتاب (أهمية صلاة الجماعة)، للدكتور: فضل إلهي ص (٤٦)، وما بعدها.
(٥) أخرجه مسلم (٦٥٣).

<<  <   >  >>