وكتب قدر والمكتوب بمعنى معلوم وبمعنى محدد، قال أبو عبيدة: كتب قضى، وكتب حفظ.
والكتب في القرآن على خمسة أوجه:
الأول: بمعنى الفرض، قال اللَّه:(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ) أي: فرض، وإنما جعل الفرض كتبا؛ لأنه فرضه في الكتاب وهو في القرآن، ومثله:(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)، ومثله كثير.
الثاني: كتب قضى، قال اللَّه:(كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) ومثله: (لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا) ومثله: (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) أي: قضى وبين؛ لأن كل من تولاك ضال وقال:(لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) أي: قضى: ذلك أن اللَّه يقضي عليهمْ بالموت عند القتل لا محالة، فجعل القتل من قضائه؛ لأنه سبب لما يقضيه، وهو الموت.
وليس ذلك بموجب أن يكون الذين قتلوا المؤمنين كانوا لا يقدرون على أن يقتلوهم؛ لأنهم لو كانوا كذلك ما نهاهم اللَّه عن قتلهم، ولكن كان في المعلوم أنهم سيختارون قتلهم مع قدرتهم على تركه؛ كما أن ما كتب أو أخبر أنه سيفعله فهو سيكون لا محالة، وأن اللَّه قادر على أن لا يفعله.
ونزلت هذه الآية في قصة أُحُدٍ لما أصيب بها المسلمون، فقال المنافقون: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا، أي: لو كان ما يزعمه محمد حقا ما قتل إخواننا هاهنا؛ يعنون ْالسلطان والغلبة، فجعل قتل إخوانهم وأوليائهم قتلا لهم، لأنهم منهم فأجابهم اللَّه بقوله:(قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) أي: لو قعدتم في بيوتكم أراد السلامة لخرج منكم الذين كتب الله؛ وعلم أنهم يقتلون إلى مضاجعهم، أي: مصارعهم، ولم يرد القتل عنهم قعودكم، لأن خلاف ما علمه لا يكون.