الثالث: الجعل، قال الله:(فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) أي: اجعلنا، ويجوز أن يكون (فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) في اللوح المحفوظ؛ لأن كل شيء يفعله اللَّه [مكتوب فيه]، وقال:(فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) أي: سأجعلها، وقيل [الشاهدون أمة محمد]- صلى الله عليه وسلم -، المؤمنون الذين يشهدون على الناس بأعمالهم، ويجوز أن يكونوا الأنبياء لأنهم يشهدون على أممهم بما شاهدوا من أعمالهم، وقيل:(فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) أي: [سأجمعها] وذلك أن رحمته ونعمته قد عمت الكافر والمؤمن في الدنيا، وهي في الآخرة مجموعة للمؤمنين.
الخامس: الكتب المعروف، قال اللَّه:(إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ). أي: اكتبوا مبلغ الدَّين؛ لأن لا ينسى، ومبلغ الأجل لأن لا يزاد فيه أو ينقص، ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الأمر بالكتابة والإشهاد والرهن هاهنا ندب وإرشاد إلى الأحوط.
وقد نقلت الأمة عقود المداينات والبياعات بغير إشهاد ولا نكير من الفقهاء.
وروي عن ابن جبير، وعطاء، وإبراهيم: أن الإشهاد على كتب المداينات والبياعات وقليلها واجب، وليس ذلك [بمعول عليه].
وعن الحسن، والشعبي: أن الشهادة والكتب كانا واجبين فنسخا، بقوله:(فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا).
وقال ابن عباس: لم ينسخ ذلك، وأما قوله:(كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) فمعناه أنه حكم بها وأوجبها على نفسه (١)، وقال:(أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ) أي: علامة الإيمان، كما قال:(وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) أي: حب العجل، فحذف.
(١) دسيسة اعتزالية. فتنبه. اهـ (مصحح النسخة الإلكترونية).