[حديث الإخبار عما لا يعلمه إلا الله من العلم]
الحديث العاشر: أخرج الإمام أحمد عن رجل من بني عامر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه استأذن على رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: أألج؟).
وهذا من سوء الأدب في الاستئذان، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لخادمه له: (اخرجي إليه فإنه لا يحسن الاستئذان، فقولي له فليقل: السلام عليكم، أأدخل؟ فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن لي، فدخلت فقلت: بم أتيتنا؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لم آتكم إلا بخير).
وما وجد النبي عليه الصلاة والسلام خيراً إلا وقد دلنا عليه، ولو كان علم تحديد الساعة خيراً لأخبرنا به.
(قال: أتيتكم بأن تعبدوا الله وحده لا شريك له، وأن تدعوا اللات والعزى -أي: ألا تشركوا بالله شيئاً- وأن تصلوا بالليل والنهار خمس صلوات، وأن تصوموا من السنة شهراً، وأن تحجوا البيت، وأن تأخذوا الزكاة من أغنيائكم فتردوها على فقرائكم، قال الرجل: فهل بقي من العلم شيء لا تعلمه، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: قد علمني الله عز وجل خيراً، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل).
وهذا يدل أيضاً على أن العلم علمان والغيب غيبان: غيب أطلع الله عز وجل رسله عليه، وغيب استأثر به في علم الغيب عنده.
(قال: فهل بقي من العلم شيء لا تعلمه؟ فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: قد علمني الله عز وجل خيراً، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، ثم تلا: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان:٣٤]، إلى آخر الآية).
وهذا يدل على أن علم الساعة على جهة الخصوص مما استأثر الله تبارك وتعالى به، فلا يجوز الخوض فيه.
قال ابن كثير: إسناد هذا الحديث صحيح.
وقال مجاهد: هي مفاتيح الغيب التي قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام:٥٩].
وقال قتادة: هي أشياء استأثر الله بهن فلم يطلع عليهن ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة.
وهذه هي عقيدتنا، فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة، في أي سنة أو في أي شهر أو ليل أو نهار، ولا يعلم أحد متى ينزل الغيث ليلاً أو نهاراً، ولا يعلم أحد ما في الأرحام أذكر أم أنثى، أحمر أو أسود، أو هو شقي أم سعيد، أو خير هو أم شر، ولا تدري يا بن آدم متى تموت، فلعلك الميت غداً، أو المصاب غداً، وليس أحد من الناس يدري مضجعه من الأرض أفي بحر أم بر، أو في سهل أو جبل، وقد جاء في الحديث الصحيح: (إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة).
وفي رواية ابن ماجه بزيادة: (فإذا بلغ أقصى أثره توفاه، فتقول الأرض يوم القيامة: يا رب! هذا ما استودعتني).