للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء]

خامساً: قوله صلى الله عليه وسلم: (الختان سنة للرجال، مكرمة للنساء).

أي: يسبب الحظوة للنساء عند الأزواج، أي: تكون للمرأة كرامة وحظوة عند زوجها، فمن بركات الختان أن يقبلها زوجها.

قال: (والختان سنة للرجال) وقوله: (سنة) ليس المقصود بها: التي تقابل الواجب عند الأصوليين، بل يقصد بها السبيل والطريق والهدي الذي عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ادعى قوم أن ذكر الختان مع بقية المسنونات يدل على أنه سنة، كما في حديث: خمس من الفطرة، وقد ذكرنا أن الخطابي يقول: وكلها مسنونة إلا الختان، فإنه واجب عند كثير من أهل العلم.

فقال ابن القيم: دلالة الاقتران -أي: اقتران الختان بغيره من سنن الفطرة- لا تقوى على معارضة أدلة الوجوب التي اختص بها الختان دون سائر سنن الفطرة، ثم إن الخصال المذكورة في الحديث منها ما هو واجب كالمضمضة والاستنشاق والاستنجاء، ومنها ما هو مستحب كالسواك، وأما تقليم الأظفار فإن الظفر إذا طال جداً بحيث يجتمع تحته الوسخ وجب تقليمه لصحة الطهارة، وأما قص الشارب فالدليل يقتضي وجوبه إذا طال، وهذا الذي يتعين القول به لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقوله: (من لم يأخذ شاربه فليس منا) من حديث البراء بن عازب عند أحمد والترمذي والنسائي بإسناد جيد، أي: فليس على سنتنا ومنهجنا وطريقتنا وشريعتنا.

وهذا يدل على أن السنة: هي الطريقة والشريعة والمنهاج والسبيل، لا السنة الاصطلاحية التي تقابل الواجب عند الأصوليين، فقوله: سننت لك كذا، أي: شرعت، فقوله: (الختان سنة للرجال) أي: مشروع لهم، لا أنه ندب غير واجب، فالسنة هي الطريقة المتبعة وجوباً واستحباباً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي).

وقول ابن عباس رضي الله عنهما: (من خالف السنة كفر) فليس المقصود: السنة التي تؤديها أنت بعد صلاة المغرب، أو بعد العشاء، أو بعد الظهر، إنما يقصد بها: الهدي والطريق والسبيل، وتخصيص السنة بما يجوز تركه اصطلاح حالي، وإلا فالسنة هي ما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته من واجب ومستحب ومندوب.

ولذا نرى أن بعض الأئمة -كـ الشافعي مثلاً- يستعمل الكراهة بمعنى التحريم، كما أن بعض أهل العلم استخدموا لفظ السنة في الشرعة والمنهاج والسبيل والطريق، وللشافعي رحمه الله في ذلك دليل من كتاب الله عز وجل في أوائل سورة الإسراء، حينما عد الله تبارك وتعالى الشرك والقتل وأكل مال اليتيم وغير ذلك، ثم قال: في آخر الآيات: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء:٣٨] هل الشرك مكروه؟ قتل النفس بغير حق مكروه؟ أكل مال اليتيم مكروه؟ أبداً بل ذلك حرام أشد الحرمة، ومع هذا عبر عنه بالمكروه، أي: مبغّض عند الله تبارك وتعالى.

فقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الختان سنة للرجال) أي: شريعة ومنهاج وسبيل وهدي (مكرمة للنساء).

هذا الحديث أخرجه أحمد والبيهقي والطبراني والبغوي من حديث شداد بن أوس مرفوعاً بسند ضعيف، والمعنى صحيح، وإن كان الحافظ ابن حجر في الفتح أشار إلى تحسينه بشواهده، وكذا في التلخيص، ورجّح البيهقي وقفه على ابن عباس من قوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>