للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[موقف جمال البنا من الفقه القديم]

ثم يقول السائل: هل تعتقد أننا مؤهلون للاجتهاد واستنباط فقه جديد، وهل عندنا علماء مثل هؤلاء الأفذاذ الذين صاغوا الفقه في الماضي؟ فيقول: نحن أقدر من الأوائل على إبداع فقه جديد؛ لأنه توافر لنا ما لم يتوافر للأوائل من أدوات البحث، فلم تكن المطبعة موجودة، وأكبر أسباب اختلاف المحدثين والأئمة الفقهاء: أن إماماً ألم بحديث لم يلم به الآخر وهكذا، وأما نحن فقد ألممنا بكل شيء.

ثم يقول: هذه الدعوة لن تظهر لها ثمرة الآن.

وهذا كما يقول الكفار: فامشوا واصبروا على آلهتكم.

ويقول: وهذا المذهب الجديد والفقه الجديد ربما لا يكون له أنصار الآن، لكن لا بد حتماً أن يكون له أنصار في المستقبل.

فهو يرسل قواعد الآن لتأتي بعد ذلك أجيال نوح فيعبدون هذا الكلام من دون الله عز وجل.

فيقول: هذه الدعوة لن تظهر لها ثمرة الآن، فليس من الطبيعي أن تضع البذرة وتثمر ثمرتها في نفس الوقت، فبقدر ما تكون البذرة تمثل زراعة ثمينة بقدر ما تتطلب الوقت، فهناك فرق بين أن تزرع برسيماً أو فجلاً أو جرجيراً وتأخذ منه بعد شهر مثلاً، وبين أن تزرع زيتونة تحتاج إلى عدة سنوات حتى تثمر، فالذي نقوله لن يثمر الآن، ولكن قطعاً سيسود في السنوات التالية وبعد أن يموت صاحبه.

ثم يسأله السائل فيقول: هل تعتقد أنك صاحب هذا الفقه الجديد وصاحب الاجتهاد السديد؟ يقول: هذه أشياء يعلمها الله، والتطور هو الذي سيحكم بها.

أي: أنه متواضع جداً! يقول: وضروري أن الداعية يموت حتى يمكن الاعتراف به، ويمكن أن هذه الأشياء ربنا رزقنا بها.

يريد أن يقول: أن الله رزقه هذا الاجتهاد، لكن لا أستطيع أن أقول بهذا.

يقول: وأعطانا هذه الصفة، فلم يجعلنا نرتبط بوظيفة ولا بحزب ولا بهيئة، ولا نحن مشايخ ولا ننتمي إلى أي شيء، ولسنا محتاجين مادياً إلى أحد، فقد رزقنا الله الاكتفاء ولم يجعل لأحد سلطاناً علينا يفصلنا أو يضطهدنا أو غير ذلك، ومع هذا فنحن نقول كلاماً نؤمن به -يعني: أنه ليس جاهلاً ويفهم ماذا يقول- وننشره، ولسنا مكلفين بشيء أكثر من ذلك، لكن أن ينجح هذا الكلام فهذه ليست قضيتنا.

يعني: هو يقول هذا الكلام من أجل الأمة، لكنه ترك النتيجة على الله عز وجل!

<<  <  ج: ص:  >  >>