للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الموقف من جماعة التبليغ]

السؤال

لا أجد مسجداً قريباً مني سوى مسجد يقوم عليه جماعة التبليغ فأصلي معهم الجماعة، وهم يدعونني للخروج معهم، فأرفض بطريق غير مباشر مرة، وصراحة مرة، وقلت لهم مرة: إن الخروج معكم بدعة، فجلس الأخ يدعو لي بالهداية، وقال: إن الإنسان عندما يموت لن يسأله الملكان على البخاري ومسلم أو غيرهما من الكتب، وإنما سيسألانه عن الإيمان والتقوى وعن تبليغ الناس سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومنهجه، فكيف تصلون وتصومون وآخرون لا يفعلون ذلك ولا تدعونهم إلى الإيمان؟! وأسمع منهم كثيراً وأجادلهم، وقد يكون عندي شك في ذلك، فأرجو النصيحة حتى أسير على الطريق الصحيح؟

الجواب

إخواننا في جماعة التبليغ لهم من المناقب والفضائل الشيء الكثير، وليس هذا وقت سرده، وفي سنة (٨٤) وجد أحد زعماء الجماعة في الكويت بين يدي كتاب (خصائص أمة الإسلام)، فقال: يا شيخ! بعدما تفرغ من الكتاب أخبرني أزيدك خصيصة، فقلت: قد فرغت من الكتاب، قال: هل ورد شيء عن جماعة التبليغ في الكتاب؟ قلت: لا، قال: جماعة التبليغ يزيدون عن أمة الإسلام بخصيصة، قلت: وما هي؟ قال: إنهم يأتون يوم القيامة مستوري العورة! قلت: وما الدليل؟ قال: البطانية، قلت: البطانية دليل؟! قال: نعم دليل، قلت: ومن الذي قال ذلك؟ قال: الكاندهلوي والشيخ راشد، قلت: وهل كلامهما دليل؟ قال: أعوذ بالله يا سلفيين! أنتم هكذا، إن كلام أهل العلم عندكم لا وزن له! وإذا كنا ليس لنا مراد غير كلام أهل العلم فكيف يكون كلام أهل العلم لا وزن له عندنا؟! ثم سألته عدة أسئلة، فلما رأى ما بي من هول وفزع امتنع عن الجواب.

وهذه الأسئلة سأذكرها في المحاضرات القادمة إن شاء الله، ولجماعة التبليغ مخالفات كثيرة في العقيدة، ولكن مادام الأمر مستوراً فليكن مستوراً، فنحن لا نريد شماتة الأعداء بنا، فلا يصح لأحد أن يتكلم عليهم.

ورأس جماعة التبليغ في مصر الشيخ فريد العراقي، وهو من تلاميذ الشيخ إبراهيم عزت رحمه الله، والشيخ فريد هو الذي أدخل جماعة التبليغ إلى مصر، وهو رأسها الكبير، فإذا أخطأ فلابد أن يتوب على الملأ؛ لأن خطأ الرأس غير خطأ الفرع؛ لأن الفرع لا ينتبه إليه أحد، أما لو أخطأ رجل مسموع الكلمة له الصدارة والوجاهة فيجب تبيين هذا الخطأ.

وقد قال الشيخ فريد في شريط سمعته بالنص: الذي لا يخرج مع جماعة التبليغ على منهجنا وعلى أصول دعوتنا فهو كافر مرتد عن ملة الإسلام! وهذا الكلام ليس جديداً، فأنا أعرفهم من زمان، وهذا الكلام قد سمعناه بكثرة من صغارهم.

ثم يقول: والقدس ذهبت، والأندلس ذهبت، وخل العلم ينفعهم.

وهذا لمز للسلفيين، وهذا من أشد التخبط في العقيدة.

والآخر يقول: إن الإنسان عندما يموت لن يسأله الملكان: أقرأت البخاري ومسلماً؟ فهذه دعوة خبيثة لنبذ طلب العلم.

ولما سئلت عن جماعة التبليغ وقلت سأرد عليهم بعد ذلك جاءني أناس كثير جداً إلى البيت، ومنهم من اتصل بي في التلفونات، ومنهم من ترجاني وقال: سأقبل يديك ورجليك بشرط ألا ترد على الجماعة، فنحن لا نريد فتناً، ولا تنقصنا الفتن، فقلت لهم: ولماذا لا تقولون لهم: نحن غير ناقصين فساداً وضلالاً في العقيدة؟! ولماذا يكفرون عامة المسلمين؟! وقد سطرت رسالة تقطر أدباً لفضيلة الشيخ فريد العراقي قبل أن أرد عليه، وقلت له فيها: بعد التحية والإكرام والسلام والأدب والاحتشام، قد سمعنا كاستاً بصوتك فيه تكفير عامة المسلمين والاستهزاء بأهل العلم والعلماء وغير ذلك، وإرجاع كل نكبة ومصيبة حلت بالإسلام والمسلمين إلى انشغال المسلمين بطلب العلم، ونحن لا نعرف صوتكم ولا يضركم أننا لا نعرفكم، ويغلب على الظن أنه ليس صوتكم لأننا نجلكم عن هذا الكلام، وإلا إن كان هذا صوتكم فنسأل الله تعالى أن يجعلها زلة لسان يغفرها الرحمن، وإن كانت هذه عقيدة ثابتة راسخة فلا أقل من أن تسمح لنا بالرد والبيان.

فأخذ أحد أعضاء جماعة التبليغ على عاتقه أن يوصل له الرسالة، فلما ذهب إلى الشيخ وجلس أمامه ارتعدت فرائصه وخاف وكأنه جالس أمام ملك من الملائكة، ثم رجع إلي وقال: لم أسلمه الرسالة التي فيها نقده؛ (أنه سيكون بعد ذلك مصيبة) وقال لي: أقربت الساعة؟ قلت له: لماذا؟ قال: من أجل أن تنتقد الشيخ فريد.

وهذا نستفيد منه في باب التربية، فأصحاب البدع يجل بعضهم بعضاً أشد الإجلال، وأما صاحب الحق فمهما كان عظيماً وكبيراً تجد صعلوكاً من الصعاليك جالساً يقل أدبه ويطيل لسانه عليه، وقد يكون صاحب الحق عالماً جليلاً مثل الشيخ الألباني أو ابن باز أو غيرهما، فتجد الطفل الصغير الذي لا علاقة له بطلب العلم يمد رجليه في وجهه، ولا يستطيع أن يمد يده برسالة تقطر أدباً، وفيها مصلحة عظيمة جداً لشيخه من أهل البدع.

فأعطيت الرسالة لبائع سمك في سوق الجملة لا يهمه الشيخ فريد

<<  <  ج: ص:  >  >>