[مخالفة كتاب عمر أمة الإسلام لمنهج أهل السنة في تحديد وقت قيام الساعة]
وقد خرج علينا أخونا الكريم الشيخ أمين جمال الدين بكتاب عنون له بـ (عمر أمة الإسلام وقرب ظهور المهدي عليه السلام).
وهذا الكتاب راج وشاع بين الشباب، وعم خطره جداً، وربما يكون مؤلفه مأجوراً عند الله، وربما يكون قد سطره وكتبه ابتغاء رضوان الله عز وجل، وأنا لا أعرف المؤلف، ولا يضره أني لا أعرفه، فكل الناس خير مني، فربما يزن عند الله أمثالي، ولو أن الدنيا امتلأت بمثلي فربما يكون أثقل في الميزان منا جميعاً، ولكن الحق أحق أن يتبع، فإن هذا الكتاب على قدر ما فيه من سقطات -وقد يعد الكثير منها من باب سبق القلم أو سوء الفهم- ولكن الذي يعنيني بالدرجة الأولى أنه قد خالف جمهور أهل السنة والجماعة في تحديد اليوم الذي تقوم فيه الساعة.
وإنما عبرت بـ (اليوم) لعظم ما جاء من تحديد في هذا الكتاب، وإلا فقد استخدم المؤلف لغة الأرقام، وهي لغة غير معهودة في دين الله عز وجل حتى يحدد به العام الذي تقوم فيه الساعة.
فقد قال: ربما قامت الساعة عام ١٤٣٠هـ يزيد قليلاً أو ينقص قليلاً.
وأما قوله: (يزيد قليلاً أو ينقص قليلاً) فربما ذلك من شدة حيائه، ولولا ذلك لقال: إن القيامة ستقوم في اليوم كذا في الساعة كذا.
وهذا التحديد كان أولى به أن يحدده إبراهيم عليه السلام أو موسى عليه السلام أو عيسى عليه السلام أو نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وكان أولى بهذا التحديد منه أبو بكر الصديق رضي الله عنه أو عمر أو عثمان أو علي أو العشرة المبشرون، أو أبو حنيفة أو مالك أو الشافعي أو ابن حنبل.
فكل هؤلاء أولى بالتحديد منه.
فهل يتصور أن هذا الحق قد خفي على الأمة أجمع وظهر له؟!
الجواب
لا، وما استخدم علماؤنا من السلف لغة الأرقام قط فيما هو دون ذلك وأهون وأقل.
وهذا الأمر -وهو تحديد الساعة- أمر خطير جداً وعظيم، ولقد اغتر بعض الشباب بهذا الكتاب حيث حثهم على العمل الصالح مخافة أن تدركهم الساعة، فبعض الشباب الذين لا ينظرون في دقائق الأمور ولا في بواطنها اغتروا بذلك، وقالوا: إن أعظم ثمرة لهذا الكتاب أنه أوقف الشباب على شفير جهنم، مما زادهم عملاً وطاعة لله عز وجل.
ورداً على هذه الشبهة أقول: إن العبد إذا لم تقرعه النصوص لم تقرعه أقوال الرجال، فإذا سمعت قول الله عز وجل: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:١] فلم تنصدع؛ فاعلم أنه سرعان ما يزول انصداعك بأقوال الرجال وأهل العلم، فإن المرء الذي يسير على هدى من الله يكفيه أن يسمع (قال الله) و (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهذا كاف في إثبات الاستقامة والسير على الهدي والصراط المستقيم، وأما أن يسمع من الرجال كلاماً لا يوافق الكتاب والسنة ولا سلف الأمة ويقول: إنه كلام جميل ومفيد؛ فنقول: إن الجمال كل الجمال والصلاح كل الصلاح في كتاب الله عز وجل، وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فلابد من أن نرجع في كل مسألة خاصة من مسائل الخلاف والنزاع إلى كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام بفهم سلف الأمة، وهذا الكلام قد حفظه الكثير، ولكن قل من يعقله ويفهمه، وأقل منهم من يعمل به.
فهذه الكلمات والجمل قد حفظناها ورددناها على ألسنتنا، وربما لم تتجاوز هذه الأقوال ألسنتنا.