[شفاعة الله عز وجل]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا شفاعة أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيُخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط، قد عادوا حمماً، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل.
ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر، ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيضاً؟ فقالوا: يا رسول الله! كأنك كنت ترعى بالبادية.
قال: فيخرجون كاللؤلؤ) أي: في صفائهم ونقائهم (في رقابهم الخواتيم أو الخواتم) أي: الذهب يعرفون به (يعرفهم أهل الجنة.
يقولون: هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم.
فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربنا! أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبداً).
وفي رواية: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أما أهل النار الذين هم أهلها) ولا بد أن تفرق بين هذا (أما أهل النار الذين هم أهلها) أي: المخلدون فيها وهم الأصناف الثلاثة الذين ذكرتهم لك آنفاً (فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم وبخطاياهم فأماتهم الله تعالى إماتة حتى إذا كانوا فحماً أُذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر -يعني: لفالف لفالف- فبثوا على أنهار الجنة).
إذاً: تفحيم هؤلاء وصيرورتهم فحماً في نار جهنم من أول وهلة يدخلون فيها الجنة هو من رحمة الله عز وجل لعصاة الموحدين؛ لأنهم يفقدون الإحساس والشعور في النار حينئذ حتى يؤذن بالشفاعة، وتبقى شفاعة أرحم الراحمين، فهؤلاء الذين احترقوا وصاروا فحماً يلقون في نار جهنم ويخرجهم الرحمن وهم عتقاؤه.
قال: (فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل: يا أهل الجنة! أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل، فقال رجل من القوم: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالبادية).
قال النووي: معناه -أي: معنى هذا الكلام- أن المسلمين من المؤمنين يميتهم الله تعالى إماتة بعد أن يعذّب المدة التي أرادها الله تعالى، وهذه الإماتة إماتة حقيقية يذهب معها الإحساس، ويكون عذابهم على قدر ذنوبهم، ثم يميتهم ثم يكونون محبوسين في النار من غير إحساس، ثم يخرجون من النار موتى قد صاروا فحماً، فيُحملون ضبائر ضبائر كما تُحمل الأمتعة، ويلقون على أنهار الجنة فيصب عليهم ماء الحياة، فيحيون وينبتون نبات الحبة في حميل السيل، كما تأتي بحبة وتلقيها على هذا القش الذي يحمله الماء في البحار والأنهار، فإذا ألقيت حبة على الشاطئ نبتت، فكذلك، وهو على الله عز وجل أهون.
قال النووي رحمه الله: وينبتون نبات الحبة في حميل السيل في سرعة نباتها وضعفها، فتخرج بضعفها صفراء ملتوية، ثم تشتد قوتهم بعد ذلك ويصيرون إلى منازلهم، وتكمل أحوالهم، فهذا الظاهر من لفظ الحديث ومعناه، وهم موحدون.