قال القرطبي في تفسيره في الجزء الرابع: فالله تعالى عنده علم الغيب، وبيده الطرق الموصلة إليه، لا يملكها إلا هو، وهي الوحي، فمن شاء إطلاعه عليها أطلعه، ومن شاء حجبه عنها حجبه، ولا يكون ذلك من إفاضته إلا على رسله.
أي: أن الله تبارك وتعالى لا يطلع على غيبه أحداً إلا من الرسل، وليس كل الرسل كذلك، بدليل قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ}[آل عمران:١٧٩].
فمن قائل: المراد بالمفاتح: خزائن الرزق، وقال قائل: هي الآجال وأوقات انقضائها، وقيل: هي عواقب الأعمار وخواتيم الأعمال.
ثم قال القرطبي: من قال: إنه ينزل الغيث غداً وجزم فهو كافر.
أي أن من قال: إن الله ينزل الغيث غداً وجزم بذلك فهو كافر، سواء أخبر عنه بأمارة ادعاها أم لا.
وكذلك من قال: إنه يعلم ما في الرحم فهو كافر، فإن لم يجزم لم يكفر، إلا أنه يستحب له ألا يتكلم به، فإن فيه تشبهاً بكلمة أهل الكفر، وجهلاً بلطيف حكمته.
قال ابن العربي المالكي رحمه الله: وكذلك قول الطبيب: إذا كان الثدي الأيمن مسود الحلمة فهو ذكر، وإن كان في الثدي الأيسر فهو أنثى، وإن كانت المرأة تجد الجنب الأيمن أثقل فالولد أنثى، وادعى ذلك عادة لا واجباً في الخلقة لم يكفر ولم يفسق، ولكن لا يستحب له الدخول في مثل هذا، ولو أن الطبيب ادعى ذلك من باب العادة، أو أن المرأة ادعت ذلك من باب العادة، وقد خلقت هذه المرأة في مجتمع كله يقول: لو كان الجنب الأيمن ثقيلاً بالحمل فإن الولد أنثى، ولو كان خفيفاً فإن الولد ذكر، فلو قالت ذلك من باب العادة لم تكفر ولم تفسق، أما لو قالت ذلك من باب الواجب الشرعي وأنه لابد أن يكون ذكراً، وليس عندها برهان ولا دليل في ذلك؛ فإنها تكفر.
وأما من ادعى الكسب في مستقبل العمر فهو كافر، أو أخبر عن الكوائن المجملة أو المفصلة في أن تكون قبل أن تكون فلا ريبة في كفره أيضاً.