للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أحاديث متفرقة في إثبات الشفاعة الكبرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم]

وعن البخاري من حديث آدم بن علي قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاً -يعني: يبركون على ركبهم- كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان! اشفع لنا.

حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود)، والمقام المحمود: هي الشفاعة الثابتة للنبي عليه الصلاة والسلام.

وعند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر ويأتي إلى ربه، وأول شافع، وأول مشفع) عليه الصلاة والسلام.

وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:٧٩] قال: هي الشفاعة)، فالشفاعة من كذب بها فقد كذب بالقرآن، أي: بالمقام المحمود المذكور في القرآن.

وفي حديث أبي سعيد عند أحمد: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع يوم القيامة ولا فخر).

لماذا أصر على تكرار هذه الآثار والأحاديث رغم أنها تدل على معنى واحد وهو إثبات الشفاعة؟ لأبين لك أن هذه العقيدة أتت إلينا بطريقة التواتر كالقرآن الكريم تماماً، فمن كذب بها فقد كذب بالقرآن, وغير ذلك من الطرق والروايات التي أتت بالشفاعة العظمى للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأبين لك أن من قال: إن الشفاعة أتت بطريق الآحاد ليس له حظ علم في ذلك، بل هي متواترة، أو قد يقول قائل: إن الشفاعة لا تدخل في حدود العقل والعقل لا يتصورها.

فنقول له: دع عنك عقلك وآمن بالله العظيم، ولو أن لك عقلاً لسألناك عن كل غيب لله عز وجل.

أتى رجل من المبتدعة إلى عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله تعالى إمام من أئمة السنة، وقال: يا إمام! يسأله في ذات الله عز وجل، وإن كان اللسان والقلب لا يقوى على سرد ذلك الآن، لدلالة جرحه، فقال ابن مهدي: يا فلان! يرحمك الله، دع عنك هذا وسل عن المخلوق، فإن الخالق لا يعلم كنهه أحد إلا الله، بل من المخلوقات من لا يعلمها إلا الله عز وجل، ألا تعلم أن الله تعالى خلق جبريل عليه السلام وله ستمائة جناح؟ قال: بلى، قال: صف لي جبريل عليه السلام على هيئته التي خلقه الله عليها؟ صف لي مخلوقاً له ستمائة جناح؟ فعجز الرجل أن ينطق بجواب، فقال ابن مهدي: وأنا أعافيك من خمسمائة وسبعة وتسعين جناحاً، صف لي مخلوقاً واحداً بثلاثة أجنحة، وركب الجناح الثالث حيث ركبه الله عز وجل، فعجز الغلام واعتذر لـ عبد الرحمن بن مهدي ولم يتكلم في ذات الله عز وجل بعد ذلك.

هذا الأثر إنما نسوقه لوجوب الإيمان بالغيب الذي أمر الله عز وجل به، حتى وإن لم يكن ذلك في مقدور عقولنا، ومتى كان العقل يحكم على النص؟! إن ذلك منهج عقلي اعتزالي لا قيمة له عند أهل السنة والجماعة.

ومن حديث أبي بن كعب عند مسلم، قال: (كنت في المسجد فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه)، وأنتم تعلمون أن أبي بن كعب من قراء الصحابة، بل من أسياد قراء الصحابة.

فلما قرأ ذلك الرجل قراءة أنكرها أبي لا علم له بها، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه أنكرها كذلك أبي ودخل ثالث، فلما قضوا الصلاة قال: (إنكم قرأتم قراءة أنكرتها، فقالوا: نذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقرأ كل واحد بالقراءة التي قرأها أمام النبي عليه الصلاة والسلام فأقر الجميع ونصح أبياً بذلك) وفي آخر الحديث: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فلك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها، فقلت: يا رب! اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلائق، حتى إبراهيم عليه السلام يأتي إلى النبي عليه الصلاة والسلام في هذا المحشر وفي هذا الموقف فيسأله الشفاعة له وللناس)، وفي رواية: (واختبأت الثالثة شفاعة لأمتي يوم القيامة).

وعن أبي بن كعب أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر)، يعني: لست أفاخر بذلك، ولكني أخبركم بما سيكون يوم القيامة.

وعند البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي) يعني: خص النبي عليه الصلاة والسلام بخمس، وخصائصه كثيرة، لكن هذا الحديث أثبت خمساً.

قا

<<  <  ج: ص:  >  >>