قد ذبح إبراهيم عليه السلام العجل للملائكة ولم يعلم بأنهم ملائكة حتى أخبروه بقولهم:{إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ}[هود:٧٠].
ولما جاءوا لوطاً لم يعلم أيضاً أنهم ملائكة، ولذلك {سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}[هود:٧٧]؛ لأنه خاف عليهم من أن يفعل بهم قومه الفاحشة، حتى قالوا له:{إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ}[هود:٨١].
ويعقوب عليه السلام ابيضت عيناه من الحزن على يوسف وهو في مصر، ولم يدر خبره حتى أظهر له الله خبر يوسف، ولو كان يعلم الغيب لعلم خبر ولده.
وسليمان عليه السلام مع أن الله سخر له الشياطين والريح لم يكن يدري عن أهل مأرب قوم بلقيس شيئاً حتى جاءه الهدهد وقال له:{أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}[النمل:٢٢].
ونوح عليه السلام ما كان يدري أن ابنه الذي غرق ليس من أهله، أي: ليس من أهل السعادة والنجاة، وقال:{رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ}[هود:٤٥]، ولم يعلم حقيقة الأمر حتى أخبره الله بقوله:{يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[هود:٤٦].
والملائكة المقربون عليهم السلام لما قال الله لهم:{أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا}[البقرة:٣١ - ٣٢]، أي: لا اطلاع لنا على الغيب إلا ما أطلعتنا عليه.
فظهر بهذا أن أعلم المخلوقات -وهم الرسل والملائكة- لا يعلمون من الغيب إلا ما علمهم الله تعالى، وهو تعالى يطلع رسله على ما يشاء من غيبه، كما قال تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ}[آل عمران:١٧٩].