[مشروعية الختان واحتفاء السلف به]
ثم قال الألباني حفظه الله: واعلم أن ختن النساء كان معروفاً عند السلف، خلافاً لما يظنه من لا علم عنده.
فإليك بعض الآثار في ذلك: عن الحسن البصري قال: دُعي عثمان بن أبي العاص إلى طعام فقيل: هل تدري ما هذا؟ قال: هذا ختان جارية.
أي: صُنع بسبب ختان جارية، أي: بنت، فقال عثمان بن أبي العاص: هذا شيء ما كنا نراه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يأكل من هذا الطعام.
هذا النص بظاهره يفيد أن الختان بدعة، ولكن هذا اللغز يُحل عندما نعرف أن السلف كانوا يُظهرون ختان الذكور ويُخفون ختان الإناث.
ولذلك يقول أبو عبد الله بن الحاج في كتاب (المدخل): إن السنة إظهار ختان الذكر وإخفاء ختان الأنثى.
وقال الحافظ في كتاب النكاح في باب الوليمة: مشروعية الدعوة للختان.
قال: وهذا يصدّق ما أخرجه الحاكم والبيهقي من حديث عائشة والبيهقي وابن أبي الدنيا في كتاب (العيال) من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام) (نحر) بمعنى: صنع وليمة وطعاماً، وختنهما لسبعة أيام.
قال الحافظ في الفتح: إن القلفة من المستقذرات عند العرب، أي: تلك الجلدة في ذكر الغلام من المستقذرات عند العرب، وقد كثر ذم الأقلف -أي: الذي لم يُختن- في أشعار العرب، وكان للختان عندهم قدر وقيمة وله وليمة خاصة به، وأقر الإسلام ذلك.
إذاً: تحوّل من كونه عادة إلى كونه عبادة؛ لأن الإسلام أقر ذلك.
وأخرج ابن أبي الدنيا الآثار الآتية: عن شرحبيل بن مسلم الخولاني قال: (دخل عليّ خالد بن عبيد الله الملائي وقد ختنت، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة)، وهذا نص يدل على مشروعية الختان وقيام الحفلات له.
وعن نافع قال: كان ابن عمر يُطعم على الختان، أي: إذا ختن أولاده صنع وليمة، ونافع هو مولى ابن عمر وهو أروى الناس عن ابن عمر، ومعلوم أن من لازم أحداً فهو أدرى بأحواله، فـ نافع ينقل إلينا أن عبد الله بن عمر؛ وما أدراك من هو عبد الله بن عمر، وتمسكه بسنة النبي عليه الصلاة والسلام في كل كبيرة وصغيرة، بل كذلك العادات كان يلتزم ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فهنا نافع ينقل أن عبد الله بن عمر كان يُطعم على الختان.
وعن ابن سيرين قال: إن ابن عمر كان إذا سمع صوت دُف أنكر ذلك، فإذا قيل له: عرس أو ختان سكت، وهذا إقرار منه على مشروعية هذا الأمر والاحتفاء به.
وقال مكحول لـ نافع: أكان ابن عمر يجيب دعوة صاحب الختان إلى طعامه؟ قال: نعم.
وعن القاسم قال: أرسلت إليّ عائشة رضي الله عنها بمائة درهم، فقالت: أطعم بها على ختان ابنك، أي: وكأنها أرسلت إليه بهذا المال مساعدة له على ختان ابنه في صنع الوليمة والعقيقة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه ختن بنيه وأرسل عكرمة فجاءه بلعّابين فلعبوا وأعطاهم أربعة دراهم، أي: يأتي بأناس يلعبون كثيراً ويقيمون هذا الحفل.
وعن القاسم: أن وصياً أنفق على ختان (٥٠٠) دينار، والدينار عند العرب بمعنى: دينار الذهب، والدينار الذهب بـ (١٦٠) جنيهاً الآن، فهو مبلغ ضخم أنفقه على الختان.
وهذا خير ممن يزوّج ابنته بمليار دولار من بلاد العرب، والعرب كلهم جرب إلا من بر واتقى، وهذا بلاء عظيم، فإن هذه الأمة لا يمكن أن تنتصر إلا أن ترجع وتتوب وتبرأ إلى الله تبارك وتعالى من معاصيها، فهي سنن كونية وربانية، فالله تبارك وتعالى يجريها على أيدينا نحن؛ حتى يبيّن أننا نحن السبب فيما نحن فيه من ذلة وهوان على كل أمم الأرض؛ لأننا قد تخلينا عن أعظم دستور على الإطلاق وهو الكتاب والسنة.
وعن عبد الله بن يزيد أنه سئل عن واثلة بن الأسقع -وهو آخر الصحابة موتاً على الإطلاق-: هل رأيته؟ أي: يا عبد الله بن يزيد! أرأيت واثلة بن الأسقع؟ قال: نعم.
كان في ختان ابنه حين صنع طعاماً، وكان يقول: كلوا واشربوا بارك الله فيكم.
وهكذا نجد السلف والخلف قد درجوا على إشهار هذه السنة المباركة، والاحتفاء بها إلى درجة الضرب بالدفوف وإطعام الطعام.
وأخرج البخاري في كتاب الأدب المفرد عن أم المهاجر قالت: سُبيت وجواري من الروم.
أي: أن المسلمين أخذونا سبياً في الحرب التي دارت بين المسلمين والروم، وكنت أنا من السبي