[إخبار عمر الناس بمجيء أقوام ينكرون الشفاعة والرجم والدجال وعذاب القبر وغير ذلك]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أخرج أحمد في مسنده بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوماً فكان مما قال: إنه سيأتي أقوام من بعدكم يكذبون بالرجم وبـ الدجال وبالشفاعة وبعذاب القبر وبقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا فيها، أي: بعد أن صاروا فيها فحماً).
فهذا الأثر يدل على أن هذه الأمور مستقرة لدى السلف، لم يكن أحد منهم يكذب بواحدة منها، فالرجم ثابت في كتاب الله وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يثبت عن واحد من السلف أنه كذب به، والدجال حقيقة لا خرافة، وبه صحت الآثار والأحاديث التي بلغت حد التواتر وزيادة، والشفاعة جاءت في كتاب الله عز وجل، وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام وفي آثار الصحابة كذلك، بل في أشعار العرب، وعذاب القبر حق، وهو جزء أصيل من عقيدة أهل السنة والجماعة، والشفاعة المعقودة يوم القيامة، وهي متنوعة وأقسام سنتعرف عليها، وهي موضوع حديثنا في هذه اللحظات.
أخرج الآجري في كتاب الشريعة -وهو كتاب قد وضع لبيان مسائل الاعتقاد- قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من كذب بشفاعتي فليس له نصيب منها)، والصحيح: أن هذا الأثر موقوف على أنس، وسواء كان موقوفاً أو مرفوعاً فإنه لابد من الحكم برفعه؛ لأنه لا مجال للرأي فيه، فلابد أن يكون خبراً عن المعصوم عليه الصلاة والسلام.
إذا تكلمنا عن الشفاعة فالكلام فيها يطول، والأحاديث فيها متعددة، ولكن لما كان هذا موضوع الساعة يحسن بنا أن نعرج على بعض الآثار الواردة فيه، ولذا فإن منكر الشفاعة لابد أن يكون واحداً من ثلاث: إما أن يكون ملحداً في أسماء الله وصفاته، وفي أخبار الغيب التي هي من أعظم الأمور في الإيمان، فإننا لم نر الله عز وجل، ومع ذلك فقد آمنا به، ولم نر النبي عليه الصلاة والسلام ومع ذلك فإننا نؤمن به، ولم نر الجنة ولا النار ولا الصراط ولا الحساب ولا الجزاء ولا العقاب ومع هذا فقد آمنا بكل ما أخبرنا الله عز وجل به، وأخبرنا به نبينا عليه الصلاة والسلام.
ومنها الشفاعة؛ لأنه لم يكن منها شيء في الدنيا إلا ما كان متعلقاً بأمور الدنيا، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان رسوله ما يشاء)، فإذا كان ملحداً أوكلنا أمره إلى الله عز وجل يعامله بما يستحق، وإن كان مؤدياً لرسالة أعداء الإسلام بلسان محمد وأحمد وعبد الله وإبراهيم وغير ذلك من أسماء المسلمين، فإننا نكل أمره إلى الله، ولا طاقة لنا بلقائه، وإن كان معتزلياً ينكر هذا كما أنكرته المعتزلة قديماً بحجة أن ذلك طريقه آحاد ولا يقوى للاحتجاج به في مسائل الاعتقاد، فإننا نقول: إن هذا المعتقد إنما هو دسيسة لا علم لسلفنا بها، وهذا المعتقد البدعي الذي أتت به المعتزلة لم يكن معلوماً لدى النبي عليه الصلاة والسلام ولا عند أصحابه، فهو بدعة محدثة وضلالة، أن خبر الواحد لا ينهض للاحتجاج به في مسائل العقيدة، ويكفينا من ذلك قول الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧]، ولم يقل سبحانه: وما آتاكم الرسول بخبر التواتر فخذوه، وإنما قال: ((فَخُذُوهُ)) بغير تقييد، دل ذلك على صلاحيته في الاحتجاج سواء كان آحاداً أو تواتراً.
فكل خبر رواه الثقة عن مثله إلى منتهاه حتى يبلغ قائله فهو حجة في دين الله عز وجل، سواء كثرت الطرق إليه أم قلت، وهذا معتقد جماهير علماء الإسلام، لاسيما في ذلك أن الله تعالى نفى الإيمان عمن رد شيئاً من ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥].
والنبي عليه الصلاة والسلام كان يرسل أصحابه في الأمصار والولايات ليعلموا الناس الدين، وأعظم ما كانوا يعلمونهم هي مسائل الاعتقاد ومن بينها الشفاعة، فلا مناص لمسلم يدعي أنه يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر وما فيه إلا أن يؤمن بالشفاعة، أما عن الآثار أو الآيات التي تعلقت بها، فمن الآيات ما ينفي ثبوت الشفاعة، ومنها ما يثبت ثبوت الشفاعة، فإذا ثبت هناك آيات تنفي الشفاعة وآيات تثبت الشفاعة، فإما أن نقول: إن هذا القرآن من عند غير الله، وبذلك يكفر من يقول ذلك، وإما أن نقول: هناك آيات نفت شفاعة معينة مقيدة بقيود، وهناك آيات أثبت