[الفريقان المسيئان إلى الإسلام]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:١٨].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
فريقان من الناس يسيئان غاية الإساءة إلى دين الله عز وجل: أما الفريق الأول: فهو من بني جلدتنا وممن يتكلم بلساننا ويدين بديننا، المسلم والمسلمة كلاهما يمارس شعائر الدين على غير الوجه المرضي الذي أراده الله تبارك وتعالى، فلا هو أدى الشعيرة كما ينبغي، ولا هو صان الشريعة عن لعبه وعبثه.
ولذلك هذا مدخل عظيم جداً لأهل الإلحاد زمن العلمنة، أنهم ينسبون الأخطاء إلى الدين نفسه، فيقولون مثلاً: إذا أخطأ فلان من الناس شيخ أو عالم أو شاب من شباب الصحوة في مسألة يقول مرضى القلوب: انظروا أهذا هو دينكم؟ أهذا هو الإسلام؟! ولذلك يحسن بي في هذه المناسبة أن أنبّه شباب الصحوة إلى أن كل خطأ منهم -وإن كان خطأ شخصياً- محسوب عليهم وعلى دين الله عز وجل، فليتق الله تبارك وتعالى شباب الصحوة في أقوالهم وأفعالهم؛ لأن العلمانيين ينسبون الأخطاء إلى دين الله عز وجل؛ لأنهم يتغافلون أو يتناسون القاعدة التي تقضي بإن الحق لا يُعرف بالرجال، وإنما الرجال يُعرفون بالحق، ولذلك أهل العلم من السلف قالوا: اعرف الحق تعرف أهله، فمعرفة الحق أولاً.
فالميزان الذي تُقاس به الأمور ويُقاس به الصواب والخطأ، ويُقاس به البطلان وغيره هو الكتاب والسنة، هذا هو الميزان المنضبط الذي تُقاس وتوزن به الأعمال والأقوال، فهو الحاكم على الرجال، وليس الرجال هم الحاكمون عليه.
هذا الفريق الأول من بني جلدتنا، يسيء إلى الإسلام باستخدام الإسلام نفسه، وبعبادة الله عز وجل على غير مراد الله عز وجل.
ولذلك فنحن ننبه مرة ثانية إلى أنه ينبغي على كل مسلم ومسلمة أن يراعي مراد الله تبارك وتعالى في النص، فليس النص وحده كافياً حتى يقال: إنك متبّع، بل فهم النص أولى من النص نفسه.
هذا الفريق الأول، وسنعلم في أمر الختان -وهو محل الدرس- أن الإسلام قد أُتي من هذه الزاوية، أي من قِبل هؤلاء الجُهّال المغفلين.
وأما الصنف الثاني: عدو كاشح ليس من الإسلام أصلاً، أو أن يكون مظهراً للإسلام مبطناً للكفر، أي: من المنافقين، عدو كافر يتلمس الأخطاء التي أخطأ بها الفريق الأول، فيدفعه بغضاؤه إلى الحمل على هذا الدين والكيد له، وإطلاق ألسنة حداد على شرائعه وفرائضه، وهؤلاء هم الذين قال الله تبارك وتعالى في شأنهم: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:٢١٧].
إنَّ الحرب دائرة بين الخير والشر، بين الإيمان والكفر، بين الصواب والخطأ منذ أن خلق الله تبارك وتعالى آدم ووقعت الخطيئة، وافترق الناس فريقين، والحرب دائرة بين الخير والشر يتناطحان إلى قيام الساعة، وأهل الشر لا يرضون أبداً من أهل الإيمان أن يضبطوا أفعالهم ولا أقوالهم، ولا يرضون إلا بالخروج من هذا الإيمان والدخول في الكفر؛ ولذلك الله تبارك وتعالى قال: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:١٢٠].
فاليهود والنصارى ليس غاية أمانيهم أن يترك المسلمون الختان، وإنما غاية أمانيهم أن يخرجوا من دائرة الإيمان فيدخلون معهم في الكفر فيكونون سواء، في هذه اللحظة يتم الرضا، وبدون هذا لا يكون هناك رضا، ولذلك قال تبارك وتعالى: {وَلَنْ تَرْضَى} [البقرة:١٢٠] فالرضا لن يكون إلا بعد خلع الإيمان ولبس لباس الكفر، عافانا الله تبارك وتعالى منه.
وهذا الفريق أيضاً قال الله تبارك وتعالى فيه: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} [الصف:٨] الكلام الذي يخرج من أفواههم غايتهم ومرادهم به أن يطفئوا نور الله، وأن يطفئوا نور الكتاب ونور السنة، ليس لهم مراد ولا غاية إلا هذا {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَل