الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الله تبارك وتعالى علمنا العدل والإنصاف، والنبي عليه الصلاة والسلام أمرنا بالنصح، فقد ثبت في حديث تميم الداري رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟! قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).
ويعلم الله أننا ما تطرقنا للرد على هذا الكتاب، وما فكرنا في هذا إلا من باب النصيحة بعد أن عم خطره في نظرنا، ولما كان الإنصاف والعدل من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه نقول: إن الله تبارك وتعالى لما ذكر أهل الكتاب -خاصة اليهود وهم شر خلق الله على الإطلاق، بل شر من الخنازير والقردة- أثنى على بعضهم ونعى على الكثرة، فقال الله تبارك وتعالى:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}[آل عمران:٧٥]، فذكر محاسنهم أولاً، ثم ذكر مساوئهم فقال:{وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا}[آل عمران:٧٥].
وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ}[النحل:٩٠]، وقال تعالى:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة:٨].
فهذه الآيات والنصوص توقفنا عن أن نظلم أو نجور، فليس قصدنا فضح الكاتب، ولا سبه والشماتة فيه، وإنما هي محاولة لإظهار الحق في نظرنا.
هذا الكتاب لم يخل من فوائد، ولما سألنا الكثير من الطلاب عن هذا الكتاب قلنا: هو في الجملة كتاب جيد، إلا الفصل الفلاني وإلا الباب الفلاني، فلم نعمم الحكم ولم نطلقه، وإنما قيدنا كلامنا بما هو منتقد عند أهل العلم.
وهذا الكتاب -بلا شك- قد حمل التخويف والتهديد، كما أنه رغب في الآخرة بعمل الصالحات والطاعات، وحذر من قرب الفتن والساعة، وهذا باب في التخويف جيد، فلا شك أنه يزهد الناس في دنياهم ويقربهم من رب العالمين، ومن كل طاعة تؤدي إلى مرضاته سبحانه وتعالى، ولا شك أن هذا قصد عظيم للمصنف، وهو حسنة للمصنف.
وكذلك من الحسنات أنه نبهنا على أن العدو متربص بنا في كل وقت وحين، وهذا لفت نظر منه جيد ومتين؛ لأن الخير والشر يتناطحان إلى يوم القيامة، فلا يمكن أن يسكت عنك الشيطان، ولذلك حذرك إلى ما يحاك من حولك خاصة من جهة اليهود والنصارى، وعلى جهة الخصوص من جهة اليهود.