[وقوع علامات الساعة الصغرى لا يستلزم أن تعقبها العلامات الكبرى]
ومن المثالب على الكتاب من جهة التفصيل أنه من المعلوم لم يرد نص يبين أن هذه علامات صغرى بحيث يقتصر عليها ولا يلتفت إلى ما دونها أو يسقط ما دونها، وإنما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام بعض العلامات، وذكر بعض النصوص التي تدل على أحداث تسبق العلامات الكبرى وهذه الأحداث التي تسبق العلامات الكبرى، لا تدل من الناحية الشرعية على قرب العلامات الكبرى، ولا تستلزم أن تعقبها العلامات الكبرى؛ لأن هذه الحرب والخسف والزلازل التي تسبق العلامات الكبرى بينها وبين العلامات الكبرى مدة من الزمان لا يعلمها إلا الله عز وجل.
وقد قال العلماء: إن هذه العلامات إذا وقعت لزم من ذلك حدوث العلامات الكبرى بعد حين بزمن لا يعلمه إلا الله، وبعثة النبي عليه الصلاة والسلام هي على رأس علامات الساعة الصغرى، فهو القائل: (بعثت أنا والساعة كهاتين)، وهو القائل: (بعثت أنا والساعة كفرسي رهان).
وقد حدث النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه عن الدجال فخفض فيه رفع، فقام عنه أصحابه يبحثون عن المسيح الدجال في طائفة من النخل، والمسيح الدجال من العلامات الكبرى وليس أولها، ومع هذا فإن الصحابة لما حدثهم النبي عليه الصلاة والسلام عن الدجال فخفض فيه ورفع وعظم من شأنه وفخم ذهبوا يبحثون عنه في المزارع والبساتين، لعلهم يجدونه، وهذا يدل على شدة إيمان الصحابة بالغيب، فالساعة محتملة حتى في زمن النبوة، وعلامة إيمانك بالغيب أن تؤمن به الآن كما تؤمن به بعد ألف سنة، لو أن الله تبارك وتعالى أخبرك أن الجبال تسير سيراً وأن السماء تمور موراً وسمعت هذا لأول مرة فقد وجب عليك أن تعتقد أن ذلك بالإمكان أن يكون الآن.
وإذا كان الله تبارك وتعالى أخبرك بأن الساعة قادمة لا محالة وجب عليك الاعتقاد أنها تقوم الآن كما تقوم بعد سنة أو عشر أو مائة أو ألف أو أكثر أو أقل، فهذه علامة إيمانك بالغيب.
ولو أتاك طبيب وأخبرك بأنك ستعيش أسبوعاً، وبعد هذا الأسبوع فيحتمل أن تموت ويحتمل ألا تموت فهذا إخبار عن شيء من الغيب، ولو قلنا: إن عمر الدنيا سيبقى سبعين سنة على حساب الكاتب لكنا قد أخبرنا بشيء من الغيب.
ولو قلت لك: إن عمر الأمة سينتهي بعد سبعين سنة فكأني أقول لك: ارتع والعب وعربد ما شئت، فالأمر بعيد ولا يزال، ولو قلت لشخص: إنك ستعيش ثلاث سنوات لقال لك: سأعمل في سنتين ونصف الذي أريده من الفجور والمعاصي، وبعد ذلك أتوب.
والذي يخبرك بهذا لا شك أنه يخبرك بضرب من ضروب الغيب ولا يحل له ذلك.
وقد ذكرنا أن أهل العلم ردوا على ابن جرير والسهيلي والسيوطي، وتبين بهذا أن الكاتب ترك الآراء التي هي محل اتفاق وذهب إلى رأي منتقد، وكذلك خان الأمانة العلمية في أنه لم يذكر أن هذا الرأي قد انتقده أهل العلم، بل إنه جعله رأياً سديداً وراجحاً وبنى عليه مسألة من مسائل العقيدة في غاية الخطورة؛ لأنها متعلقة بالساعة وأشراطها وعمر الأمة، وعمر الأمة كذلك غيب.
والأمم السابقة قد انتهى أجلها، ويبقى عمر أمة الإسلام، فإذا تكلمت عن انتهاء عمر أمة الإسلام أو قرب انتهائها وجعلت لذلك علامات وأمارات فإنك تكون بذلك قد ولجت مولجاً خطيراً، وهو الكلام في أمر غيبي.