[الختان عند الأئمة الأربعة]
عاشراً: لو نظرنا إلى حكم الختان عند الأئمة -أي: الأئمة الأربعة لوجدنا أن الإمام الشافعي وربيعة الرأي والأوزاعي ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك والشافعي وأحمد قالوا: هو واجب، وشدد فيه مالك حتى قال: من لم يُختتن لم تجز إمامته ولم تُقبل شهادته.
ولكن الإمام مالك قال: الختان سنة ولم يقل: واجب، لكن بمعنى الشريعة والمنهاج.
قال: ونقل كثير من الفقهاء عن مالك سنة، حتى قال القاضي عياض: الاختتان عند مالك وعامة العلماء سنة، ولكن السنة عندهم يأثم تاركها، فهم يطلقونها على مرتبة بين الفرض والندب.
وقال الحسن البصري وأبو حنيفة: لا يجب، بل هو سنة.
وفي فقه الإمام أبي حنيفة أن الختان للرجال سنة وهو من الفطرة، وهو للنساء مكرمة، فلو اجتمع أهل مصر أي بلد على ترك الختان قاتلهم الإمام؛ لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه، والمشهور في فقه الإمام مالك في حكم الختان للرجال والختان للنساء كالحكم في فقه الإمام أبي حنيفة، وأما فقه الإمام الشافعي فالختان واجب على الرجال والنساء.
بعد هذا الخلاف كله هل يقال: إن الفقهاء لم يتعرضوا للختان ولم يقولوا فيه قولهم؟! بل تكلموا فيه.
وعند أحمد بن حنبل: إن الختان واجب على الرجال ومكرمة في حق النساء، وليس بواجب عليهن؛ لأنه ليس بواجب إلا إذا احتاجت المرأة إلى ذلك، وفي رواية أخرى عنه: أنه واجب على الرجال والنساء كمذهب الإمام الشافعي.
وخلاصة هذه الأقوال: أن الفقهاء اتفقوا على أن الختان في حق الرجال والخفاض في حق الإناث مشروع، أي: أنهم اتفقوا على مشروعية الختان في حق الرجال وفي حق النساء على السواء، وكل ما هنالك أنهم اختلفوا في الوجوب أو الندب والاستحباب، ولم يقل منهم أحد: عادة سيئة قبيحة يجب محاربتها، ولم يؤلبوا الحُكام على سن القوانين التي تجرّم وتحذّر الأطباء والطبيبات من إجراء عملية الختان، حتى صار الواحد والواحدة سؤاله: أنا أريد أن أختن ابني أو ابنتي، ماذا أعمل؟ أنا خائف، والطبيب خائف، والمستشفى لا يقبل هذا! أقول: يكفيك دعوة الطبيبة في بيتك، وإجراء هذه العملية في بيتك لا إله إلا الله! يعبد ربه في بيته خفية وخلسة، فتأتي بالطبيبة عندك في البيت، واجعلها تجري هذه العملية ولا داعي أن يشعر بذلك أحد.
وانظر -يا أخي-! إلى فتوى الشيخ جاد الحق رحمه الله تبارك وتعالى، أليس هذا من مشايخ الأزهر المعتمدين والمعتبرين؟! لكي لا نعترض ونرد نحن على شيخ الأزهر الموجود، فهذا المفتي هو الذي يرد عليه، وشيخ الأزهر السابق هو الذي يرد عليه، لا يذهب يوم إلا والذي بعده شر منه.
يقول الشيخ جاد الحق: وأميل إلى تفسيرها بما فسرها الشوكاني -أي: عملية الختان- بأنها السنة التي هي طريقة الإسلام، ومن شعائره وخصائصه كما جاء في فقه الحنفيين، وليس المراد: السنة الاصطلاحية كما تقدم آنفاً، ويؤيد هذا ما ذهب إليه الفقه الشافعي والحنبلي ومقتضى قول شيخ من المالكية من أن الختان واجب على الرجال والنساء، وهو مقتضى قول الحنفية: أنه لو اجتمع أهل بلدة على ترك الختان حاربهم الإمام كما لو تركوا الإمام، وهذا ما أميل إليه في الفتوى به.
وإذ قد استبان مما تقدم أن ختان البنات -موضوع هذا البحث- من فطرة الإسلام وطريقته على الوجه الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يصح أن يترك توجيهه وتعليمه إلى قول غيره، أي: لا يصح أن يدع قول الرسول إلى قول طبيب جاهل، أو معاند عدو كاشح.
قال: ولو كان طبيباً حاذقاً ماهراً؛ لأن الطب علم والعلم متطور.
وهذا الكلام جميل جداً، وتحته شرح كبير جداً أختصره.
يقول الشيخ: لا يجوز خضع الشرع للعلم؛ لأنك لو أخضعت الشرع للعلم فإنك تقول: أرأيت الآية الفلانية يؤيدها ويثبتها النظرية العلمية الفلانية، فحينما تتكلم عن الشمس والقمر يدوران أو لا يدوران؟ تقول: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء:٣٣]، هل الأرض كروية أم غير كروية؟ ثم تذهب إلى أن الأرض كروية، وتستشهد بآيات من الكتاب والسنة على صحة هذه النظرية العلمية، وبعد عشر سنين بالضبط يثبت فشل هذه النظرية العلمية، إذاً: أنت أثبت فشل الآية مع النظرية.
نقول: إن كتاب الله تبارك وتعالى هو كتاب إيمان وشرع وأحكام وحلال وحرام ووعظ وقصص وكتاب علم، لكن لا يجوز أبداً أن تخضع كتاب الله للنظريات العقلية القاصرة؛ لأنك لو أثبت وربطت بين الاثنين ربطاً مؤكداً فمع فشل هذه النظرية العلمية تستحي، أو يلزمك أن ترد الآية، أو يشك ضعاف الإيمان وضعاف العلم والجهلة في الآية نفسها.
ثم يقول الشيخ جاد الحق: وفي ختام هذا البحث وفي شأن ال