الحديث الثالث: هو حديث في غاية الأهمية، حديث أم عطية الأنصارية، وكانت خاتنة بالمدينة، قال لها النبي عليه الصلاة والسلام عندما قدم المدينة:(يا أم عطية! إذا خفضتِ فأشمي ولا تنهكي) ويقال لختان البنات: خفض، كما يقال لختان الذكور: إعذار، فالختان عند الذكور يسمى إعذاراً، وعند الإناث يسمى خفضاً؛ ولذلك يقال للخاتنة: خافضة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(يا أم عطية! إذا خفضتِ فأشمي) أي: خذي القدر الزائد فقط، قال لها:(ولا تنهكي) أي: ولا تستأصلي كل العضو.
ومن هنا تعرف أن الخطأ ليس في الشريعة، وإنما فيمن يطبّق الشريعة، وهذا ما قلته في بداية المحاضرة: أن الإسلام أُتي من قِبل أهله الجُهّال أو الذين يحسنون النية.
قال:(يا أم عطية! إذا خفضتِ) أي: إذا ختنتِ (فأشمي) والإشمام: هو أخذ القدر الزائد من العضو عند النساء.
ولذلك ترى بنات في سن السابعة والثامنة قد خرج العرف من فرجها وظهر وبدا للناظر، هذا القدر الزائد هو الذي أمر النبي عليه الصلاة والسلام بأخذه وقطعه؛ لأنه يؤذي الزوج ويتأفف منه، وربما يكون سبباً لوقوع البغضاء والشحناء بين الزوجين، وسبب صرف الرجل عن امرأته والزهد فيها.
فقال لها:(فأشمي ولا تنهكي) أي: لا تستأصلي كل العضو؛ لأن إبقاء العضو على حاله رغم حاجته الماسة إلى أخذ الزائد منه ينفّر الزوج، ويجعل المرأة في حياة بئيسة في بيتها ومع زوجها، واستئصال العضو بالكامل يجعل المرأة مصابة بالبرود الجنسي الذي تكلمنا عنه، فلا تلتذ بمساس زوجها لها، وإبقاء هذا العضو بطوله وبالقدر الزائد يجعل المرأة تهيج، وتطلب الرجال في حل وحرمة، فبمجرد مساس ذلك العضو الزائد بالملابس يهيج الشهوة عند النساء، وناهيك عن هيجان البنت الجامعية التي حُرمت من الحجاب والنقاب، وسُنت لأجل انحرافها القوانين التي تحرم وتجرّم من يختنها، ومن يضبط لها شهوتها في منتصف الطريق بين الإفراط والتفريط، وكيف لو أن فتاة الجامعة هُيّجت من جهة ملابسها وهي تعيش بين ذئاب في صورة آدميين، ماذا تفعل هذه المرأة؟ وماذا سيكون موقفها من الشباب الخنع المقنّع المتسكّع على قارعة الطريق وعلى النوادي، وهي تأكل نفسها أكلاً بسبب هياجها وزيادة شهوتها؟ ونحن نعيش في بلاد حارة، وهذا أيضاً أحد العوامل التي تهيّج الشباب فضلاً عن التلفاز والمسرحيات والأفلام والسينمائيات والبث المباشر والفيديو والدش الذي ينقل إليك إذاعات العالم كله، وأنت بين أربعة جدر، ماذا سيكون موقف الشباب؟ وماذا سيكون موقف الفتيات؟ فلا بد من ضبط الشهوة عندهن، ولا يمكن ضبطها إلا من خلال دين الله عز وجل، فقال لها:(يا أم عطية! إذا خفضتِ فأشمي ولا تنهكي، فإنه أسرى للوجه) يجعل في الوجه السرور والنضرة (وأحظى عند الزوج) أي: أن المرأة إذا كانت معتدلة في شهوتها فإن ذلك يكسبها نضرة وسروراً في وجهها يظهر على بدنها وعلى صحتها، كما أنه يكون أحظى وأكرم عند الزوج.
ولذلك بين الحين والحين نجد رجلاً يشكو من إقبال امرأته عليه جنسياً، ويقول: أنا أريد أن أُطلّق هذه المرأة؛ لأنها تحتاج إلى عملية الجماع في اليوم عدة مرات، فهي تكاد تهلكني، ويقول: من الخطورة بمكان أن أعيش مع هذه المرأة وهي مختتنة، فما بالك لو أنها لم تختتن، كيف تكون شهوتها؟ إن حديث أم عطية رضي الله عنها وإن كان في سنده مقال -أي: ضعف- إلا أن له شواهد كثيرة من حديث أنس بن مالك، وحديث أم أيمن عند أبي الشيخ في كتاب العقيقة، وشاهد آخر من حديث الضحاك بن قيس عند البيهقي في السنن؛ ولذا ذهب إلى تحسين هذا الحديث الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وقال شيخنا الألباني حفظه الله في كتاب السلسلة الصحيحة في الحديث رقم (٧٢٢) بعد أن أورد شواهد هذا الحديث: ومجيء الحديث من طرق متعددة ومخارج متباينة -أي: مختلفة- لا يبعد أن يعطي ذلك للحديث قوة يرتقي بها إلى درجة الحسن، بل إنه بهذه الطرق والشواهد حديث صحيح، والله أعلم.