[تعويل المصنف على أقوال أهل الكتاب]
ثالثاً: وما يعاب على الكتاب: أنه عول في المسألة التي ظهر له فيها الخلاف أو الاحتمال على أقوال أهل الكتاب، فلو أنك نظرت وقرأت في الكتاب بعين الفحص والتمحيص لوجدت أنه في غالب الأبواب يعتمد على كلام أهل الكتاب، وهذا عيب أيما عيب؛ لأن اللجوء إلى الاعتماد على كلام أهل الكتاب مثلبة عظيمة جداً لكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، والنبي عليه السلام لما وجد الصحابة يتحرزون كل التحرز من نقل كلام أهل الكتاب أو أنهم امتنعوا أن يروون أي شيء عنهم.
قال: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، فلما رآهم متحرجين قال: (لا حرج) في التحديث عنه، ولكنه قيد ذلك بقيد أهم من الإباحة، فالأولى ألا نصدقهم وألا نكذبهم، فقال: (إذا حدثتم عن بني إسرائيل فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم).
(فلا تصدقوهم) لاحتمال أن تكون هذه الرواية مما دخلها التبديل والتحريف الذي صنعه أهل الكتاب.
(ولا تكذبوهم) لاحتمال الصدق، فنفى أن نصدقهم ونفى أن نكذبهم.
والمؤلف هنا في أغلب الأبواب يستشهد بكلام أهل الكتاب، ونحن نقول: إنه لا يجوز له أن يستشهد بكلام أهل الكتاب ولا يستأنس به، ولو قرأت في حرب هرمجدون وحساب عمر أمة الإسلام فإنك تجد عجباً، فقد كاد المؤلف يعتمد اعتماداً كلياً على كلام أهل الكتاب، فمثلاً: في كتاب حرب هرمجدون يقول في صفحة (٣٦): وجمعت الأرواح الشيطانية جيوش العالم كلها في مكان يسمى هرمجدون.
هذا في الإنجيل صفحة (٣٨٨).
وجاء في كتاب البعد الديني في السياسة الأمريكية أن سبعة من رؤساء أمريكا يؤمنون بمعركة هرمجدون.
ويقول رونالد ريجان الرئيس الأمريكي الأسبق: إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيرى هرمجدون.
ويقول: كل شيء سوف ينتهي في بضع سنوات، وستكون المعركة العالمية الكبرى معركة هرمجدون أو سهل مجيدو.
ويقول جيمي سواجارت وهو من القساوسة الكبار: كنت أتمنى أن أستطيع القول إننا سنحصل على السلام، ولكني أؤمن بأن هرمجدون مقبلة، إن هرمجدون قادمة وسيخاض غمارها في وادي مجيدو، إنها قادمة، إنهم يستطيعون أن يوقعوا على اتفاقيات السلام التي يريدون، إن ذلك لن يحقق شيئاً، هناك أيام سوداء قادمة.
وغير ذلك من الأقوال، وينقل عقائد اليهود وعقائد النصارى، ويعتمدها في هذه الأمور التي اعتبرها هو يقينية وليست ظنية.
وذهب إلى ذلك أيضاً في حساب عمر أمة الإسلام، في صفحة (٥١) يقول: جاء في الإنجيل الرسالة الأولى أما مسألة الأزمنة والأوقات المحددة فلستم في حاجة لأن يكتب إليكم فيها؛ لأنكم تعلمون يقيناً أن يوم الرب سيأتي كما يأتي اللص في الليل، فبينما الناس يقولون: حل السلام والأمن، ينزل بهم الهلاك المفاجئ كالمخاض الذي يدهم الحبلى، فلا يستطيعون أبداً أن يفلتوا.
ويقول نيكسون الرئيس الأمريكي الأسبق: في عام (١٩٩٩م) نكون قد حققنا السيادة الكاملة على العالم، وبعد ذلك يبقى ما بقي على المسيح.
فالنصارى واليهود يؤمنون الآن بما يسمى العيد الألفي، ويعتقدون أن عيسى عليه السلام حي في السماء وسينزل على رأس كل (١٠٠٠) عام فيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً وظلماً، فلما خذلهم عيسى عليه السلام، بل خذلهم الله تبارك وتعالى في الألف الأول فهم يستعدون لنزول عيسى على رأس الألف الثانية، أو في نهاية الألف الثانية، وهذا يسمى عند اليهود والنصارى بالعيد الألفي، ومعناه عندهم: أن عيسى ينزل على رأس كل (١٠٠٠) سنة، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
ويقول روبارت ديسون: إن إعادة مولد إسرائيل هي الإشارة الوحيدة إلى أن العد التنازلي لنهاية الكون قد بدأ، كما أن مع مولد إسرائيل أخذت بقية التنبؤات تتحقق بسرعة.
وهذا الكلام الذي ساقه المؤلف هنا وغيره يدل على خطورة عظيمة جداً، وهي أن الكاتب اعتمد على كلام أهل الكتاب واستشهد به.
وكلام أهل الكتاب لا يعد باباً من أبواب الحكم أو الدلالات، وليس مصدراً من مصادر التشريع ولا مرجحاً عند النزاع.
والكاتب اعتبر أن كلام أهل الكتاب مرجح عند النزاع، ولذلك لما ذكر حديث أبي موسى الأشعري وحديث عبد الله بن عمر قال: ومن العجب أنك تجد في التوراة والإنجيل ما يوافق هذين الحديثين! فجعل كلام أهل الكتاب مرجحاً لما اختاره هو من بين الآراء التسعة لأهل العلم.
وهذا كلام ساقط وهابط، ولا يمكن أبداً اعتماده، ولا يصح أن يقال هنا: إنه اعتمد على ما في كتب أهل الكتاب على سبيل الاستئناس لا الاستشهاد؛ لأنه احتج به واعتبره في معرض الترجيح بين عدة تأويلات في المسألة الواحدة، ورجح من هذه التأويلات التأويل الحسابي مع أنه أضعف التأويلات عند أهل العلم، وإن أردت الإجمال والتفصيل في تأويلات أهل العلم فارجع إلى فتح الباري الجزء الرابع صفحة (٤٤٨ - ٤٤٩)، ومن أنفع ما كتب في هذا الأمر هو كلام الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه (فتح الباري) (الجزء الرابع) من صفحة (٣٣٣) حتى صفحة (٣٥