قال الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف في الآية رقم (٣٤): {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ}[الأعراف:٣٤]، وأمة الإسلام أمة من الأمم، وهي خاتمة الأمم، {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}[الأعراف:٣٤]، أي أن الله تبارك وتعالى حدد لكل أمة أجلاً، فهذه الأمة إذا جاء أجلها لا يمكن أن تتأخر عنه لحظة، كما أنها لا يمكن أن تتقدم عليه لحظة.
قال القرطبي:((وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ)) أي: وقت مؤقت، ((فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ)) أي: الوقت المعلوم عند الله عز وجل.
وهذا هو الشاهد الذي أردت سوقه، إذا جاء أجلهم المعلوم عند الله، لا عند الخلق ولا عند الرسل ولا عند الملائكة المقربين؛ فإن آجال الأمم وأعمارها إنما هو عند الله تبارك وتعالى، وهو من العلم الذي استأثر تبارك وتعالى به، فلم يطلع عليه أحداً من خلقه، ولا حتى الرسل ولا الملائكة المقربين.
ومثل هذه الآية قد جاء معناها في آيات كثيرة، كما في سورة النحل في الآية (٦١): {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}[النحل:٦١].
وقال تعالى في سورة يونس في الآيتين (٤٨ - ٤٩): {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[يونس:٤٨] استبعاداً وجحوداً وإنكاراً، {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعًا}[يونس:٤٩]، أي: كيف أعلم الساعة، ولو كنت أملك لنفسي الضر والنفع لأخذت حذري من قيام الساعة؟ {لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}[يونس:٤٩].
وفي سورة سبأ في الآيتين (٢٩ - ٣٠) قال الله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ}[سبأ:٢٩ - ٣٠]، فالله تبارك وتعالى قد نفى أن تتقدم أمة أجلها أو تتأخر عنه ولو ساعة، وذكر الساعة لأن أقل الوقت يذكر، وهذا يدل أن لكل أمة أجلاً محتوماً معلوماً، ولكنه معلوم عند الله تبارك وتعالى لا عند الخلق.