[الختان ملة أبينا إبراهيم عليه السلام]
رابعاً: أخرج البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه -لا يقال: لم يذكر مشروعية الختان في الصحيح، أو أنه لا يوجد حديث في الصحيحين- من حديث أبي هريرة مرفوعاً قال: (اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم).
قال يحيى بن سعيد الأنصاري راوي الحديث: القُدوم: هو الفأس، ولذلك هذا يرد تفسير من فسّر القدوم باسم الموضع في الشام، هناك قرية في الشام اسمها القدّوم بتشديد الدال، فقالوا: اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين بالقدّوم، والرواية بالتخفيف: بالقُدوم، والقُدوم: هو الفأس، وإذا كان الراوي هو الذي فسّر مروياته فهو أولى الناس بفهم هذا المروي، فإذا خالفه غيره لا يعتبر كلام الغير، ناهيك أن القدوم: اسم موضع أو اسم آلة، فالنص يقول: إن إبراهيم عليه السلام اختتن وهو ابن ثمانين سنة، وهناك بعض الروايات: أن إبراهيم عليه السلام هو أول من اختتن، وهناك روايات أخرى وردت في الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل: أن آدم أول من خُتن، بل وردت بعض الروايات التي تقول: إن آدم نذر لله إن قبِل الله توبته ليستأصلن شيئاً من بدنه، فنزل جبريل ولفت نظره إلى قطع القلفة فقطعها.
لكن نحن لا نعتمد هذا الخبر ولا نعده أصلاً من الأصول، ولنكن مع الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في شأن إبراهيم عليه السلام.
وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة:١٢٤].
صح عن ابن عباس أنه قال: هذه الكلمات خمس في البدن وخمس في الرأس، ابتلى الله تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام -أي: اختبره وامتحنه- فيها، ومعنى (فأتمّهن): أتى بهن إبراهيم عليه السلام على التمام والكمال، خمس في الرأس منها: المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وحلق الشعر.
والتي في البدن منها: نتف الإبط، وتقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، والختان من ملة أبينا إبراهيم.
فإن قيل: هذا إبراهيم عليه السلام قد أمره الله تبارك وتعالى بهذا ولم يأمرنا؟ ف
الجواب
أن الله تبارك وتعالى أمرنا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خمس من الفطرة)، وقال: (يا أم عطية! أشمي ولا تنهكي، فإنه أسرى للوجه، وأحظى عند الزوج).
وقال صلى الله عليه وسلم حاكياً عن إبراهيم: (اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة).
يقول ابن عباس: هي خصال الفطرة ومنهن الختان، والابتلاء غالباً إنما يقع إذا كان الأمر واجباً، فدل على أن الختان واجب، وقد أقر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، وأمره باتباع ملة إبراهيم عليه السلام، فقال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [النحل:١٢٣] الضمير عائد على النبي محمد صلى الله عليه وسلم {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل:١٢٣] ومن ملة إبراهيم الختان، وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الممتحنة:٤]، وليس إبراهيم عليه السلام أول من اختتن، بل قد وردت نصوص في الكتب السابقة تفيد أن أول من اختتن هو آدم عليه السلام، بل يدّعي الشعب اليهودي أن الله خصهم بميزة دون سائر الأمم وهي الختان، وأن الله قد أخذ عليهم العهد بذلك، فهو محفوظ بينهم وبين الله تبارك وتعالى أبد الآبدين، وعندهم ما يسمى بخرافة كرسي (النبي إلياهو) بمعنى: النبي (إيليا)، ومضمون هذه الخرافة عندهم: أنهم يقيمون حفلاً للمختون، فتوضع الكراسي للمدعوين، ويبقى كرسي في مكان مميز عال عن بقية الكراسي، هذا الكرسي فارغ تماماً ويحرم على أحد من المدعوين أن يجلس عليه، ويعتقدون أن النبي (إلياهو) ينزل فيجلس على هذا الكرسي، فيشهد حفل الختان، ولا يراه أحد من الحاضرين.
اليهود يفعلون هذا، ويعتقدون هذا فيما بينهم، ويدّعون أن الختانة عند المسلمين وحشية وعملية إجرامية ويجب محاربتها، في الوقت الذي يعتقدون فيه أن الأنبياء يحضرون حفل الختان، فيأمروننا نحن بعدم ختان الإناث؛ لأنها عملية وحشية، والوحشية كل الوحشية في ترك البنات عرضة للوقوع في الفواحش بسبب التهييج الذي تقدم ذكره.
ويذكر التاريخ أنه حينما ظهر اليونان على اليهود جعل اليونان عقوبة من قام بإجراء عملية الختان الإعدام، وكان هذا قبل ميلاد المسيح عليه السلام، فقد كان اليهود واليونانيون قوتين عظيمتين، ودارت الحروب الكثيرة بينهما، وسبب هذه الحروب هو الختان، وهم الآن يحاربوننا في الختان، لكن بشكل آخر، وطالما هم وجدوا أبواقاً منا فلماذا يحاربوننا بالسيف؟ فقد علموا على مر التاريخ أن السيف لا يجدي معنا، وأننا أمة مجاهدة نحظى بإحدى الحسنيين: الشهادة أو النصر، فلجئوا إلى أسلوب آخر من أساليبهم الخبيثة، وهي تربية أبناء منا ليتكلموا باسم الإسلام يهدمون بهم