للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أن إحساس السيوطي بتنوع معارفه وبلوغه درجة الاجتهاد في بعض العلوم، وإحساسه أن ذلك لم يحدث لأحد من أبناء زمانه فمنهم من بلغ درجة كبيرة في الفقه أو في العربية أو في علم من العلوم، ولكن اجتماع هذه العلوم على سبيل التبحر لدى أحدهم غير كائن، هذا الاحساس قد جعله يستشعر في قرارة نفسه أنه المبعوث على رأس المائة التاسعة ووجد الرجل نفسه وقد جاوز الخمسين من عمره وحصل من العلوم جملة كبيرة، وبلغ ما لم يبلغه أحد، ورأى أنه قد جاوز أقرانه وبذّهم جميعا، وهنا وقف يعلن أنه المبعوث على رأس المائة التاسعة.

[فكرة المبعوثية:]

ويبدو أن الرجل كان يعرف أن هذه الفكرة قد تقابل ببعض الأفكار، ولذلك أكدها في كثير من كتاباته فهو يبدأ كتابه «الدر النثير الذي لخص فيه نهاية ابن الأثير» قائلا: «الحمد لله الذي بعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها وأقام في كل عصر من يحوط هذه الملة بتشييد أركانها وتأييد سننها وتثبيتها» «١».

وكان عليه أن يثبت صحة هذه الفكرة عن طريق السنة وأن يقنع الناس بذلك، ثم عليه بعد ذلك أن يقنعهم بأنه المبعوث على رأس المائة التاسعة.

وبداية هذه الفكرة في كتاباته نلحظها في ترجمته لسراج الدين البلقيني (المتوفي ٨٠٥ هـ) والد علم الدين، إذ نقل أن السراج البلقيني مجدد المائة الثامنة، ثم ذكر أن كثيرا من المبعوثين على رءوس القرون مصريون: عمر بن عبد العزيز في الأولى، والشافعي في الثانية .. وابن دقيق العيد في السابعة، والبلقيني في الثامنة، ثم أتبع ذلك بقوله «وعسى أن يكون المبعوث على رأس المائة التاسعة من أهل مصر» «٢»، وهنا نلاحظ أنه كان يمهد لفكرته، ويرجو أن يكون هو المبعوث على رأس قرنه، ونلاحظ أنه وضع ترجمته بعد ترجمة البلقيني مباشرة


(١) الدر النثير في تلخيص نهاية ابن الأثير: المقدمة.
(٢) حسن المحاضرة ج ٢ ص ١٨٣.

<<  <   >  >>