للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[السيوطي وعلم أصول النحو]

رأينا أن السيوطي قد وضع أصولا لنقد الرواية اللغوية تحاكي أصول المحدّثين وهو عمل يعد من مبتكراته، وقد حاول تصنيف المادة اللغوية تصنيفا يضاهي تصنيف المحدثين وقد استطاع أن يتناول بالبحث النظري في أصول اللغة بعض المسائل التي لم تكن قد استقرت الاستقرار الكافي، أو الأصول التي لم تحظ إلى ذلك الحين بأن توضع في إطار محكم منظم كما هو الحال لدى أهل الحديث.

ونحن هنا بصدد محاولة رائعة قام بها السيوطي فيما يتصل بالنحو، فقد حاول في كتابه «الاقتراح» أن يقيم بناء شامخا يمثل أصول النحو، ويكون المنهج الذي يتبعه النحاة في استنباطهم واستقرائهم، ومعبرا عما سلكوه في درس النحو من قبل.

والواقع أن المنهج النحوي أو مجموعة القواعد والنظم التي يتبعها النحويون في الاستقراء والاستنباط ظلت إلى وقت متأخر عرفا غير مكتوب، يلاحظه النحاة ويشيرون إلى التزامه واتباعه في عبارات قليلة مبتسرة، ولم يعمد أحد إلى وضع هذه النظم والقواعد في إطار علم معين.

والبحث في الأصول وهو يعني البحث في المناهج يأتي متأخرا بعد استقرار العرف العلمي الذي يدرج عليه أوائل الباحثين في علم من العلوم، هكذا كان الحال في العلوم الاسلامية، فوضع أصول الحديث إنما جاء بعد أن قامت أجيال متعاقبة من العلماء برواية الحديث والتحرج في روايته، وكان لهم عرف ملتزم، وعبارات متداولة لم تلبث أن أخذت تتجمع شيئا فشيئا، حتى وضع منها المتأخرون علما في نقد الرواية.

<<  <   >  >>