للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[السيوطي وعلوم الحديث]

اشتغل السيوطي منذ أيامه الأولى بتدريس الحديث بالخانقاه الشيخونية، وامتزج بعلوم الحديث امتزاجا كبيرا، فهو يشرب من زمزم تطلعا لأن يصل إلى مرتبة الحافظ ابن حجر، ثم يحمل على المنطق والفلسفة ويذكر أن الله قد عوضه عنهما بعلم الحديث الذي هو أشرف العلوم، كما يذكر بعد أن استحصدت قوته أن مجدد القرن لا بد أن يكون مقيما للسنة ناصرا لها ولن يتسنى لمن لا يكون عالما بالسنة إقامتها، ثم نراه يهتم بمسألة أبوي النبي صلى الله عليه وسلم فيكتب فيها ستة رسائل دفاعا عنهما، وهكذا نلاحظ أن ميوله منذ وقت مبكر كانت تتجه نحو علوم الحديث، وكانت هذه العلوم تحظى من وقته بالنصيب الأوفر.

وتطلعنا مقدمة كتابه «اللئالئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة» على طول اشتغاله بعلوم الحديث فقد ابتدأ تأليف هذا الكتاب كما ذكر في عام ٨٧٠ هـ، أي حين كان في الحادية والعشرين من عمره، وأتمه بعد خمسة أعوام، ثم عاود تأليفه مرة ثانية مع بعض الاضافات عام ٩٠٥ هـ، أي قبل وفاته بستة أعوام فقط «١»، كما أخذ السيوطي يملي الحديث منذ عام ٨٧٣ هـ بالجامع الطولوني؛ وظل مداوما على هذا الدرس العام إلى أن اعتكف في بيته عام ٩٠٦ هـ، وكان يذكر عن نفسه أنه أحيا سنة الاملاء بعد دروسها إذ انقطع الاملاء بالديار المصرية بعد وفاة الحافظ ابن حجر (عام ٨٥٢ هـ) عشرين سنة.

وقد بلغ درجة الاجتهاد في الحديث، وقد قال المحدثون: إن أقل مراتب الحافظ أن يكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبلدانهم أكثر من الذين لا يعرفهم، وكان بعض المحدثين لا يعدّ من أصحاب الحديث من لم يكتب عشرين ألف حديث، وكان الحافظ ابن حجر يقول: الشروط التي


(١) اللئالئ المصنوعة ج ١ ص ٢، ٣.

<<  <   >  >>