الصوفية، فهل كان لانخراطه أثر في منهجه في الرواية تشددا وتحرجا أو تسامحا وتساهلا؟، للإجابة على ذلك لا بد أن نتناول تصوف السيوطي بشيء من الحديث نستجلي به أبعاده ونستوضح به غوامضه.
[السيوطي والتصوف:]
سبق أن أشرنا إلى أن التصوف في عصر السيوطي كان يتخذ شكل ظاهرة اجتماعية واضحة في البيئة المصرية، وأن تياره كان من القوة بمكان، وقد ساعد على ذلك عوامل متنوعة أهمها وجود المنشآت الصوفية التي سميت بالخوانق أو الزوايا والربط.
نشأ في هذه البيئة، وكان للتصوف أثر كبير في توجيه حياته، فجده الأعلى همام الدين كان من مشايخ الطريق، وكان لوالده ميل إلى التصوف، والكمال بن الهمام أحد الأوصياء عليه كان من المتصوفة وقد ولى مشيخة الشيخونية.
كما أن والد السيوطي قد حمله بعد مولده كما سبق أن رأينا إلى أحد كبار الأولياء ليباركه ويدعو له، وإذا كانت بيئة السيوطي الخاصة التي تتمثل في أسرته والمحيطين به وبيئته العامة التي تتمثل في المجتمع، كلتاهما يجد التصوف فيها منبتا حسنا، فلا عجب أن نشأ السيوطي ميالا منذ صغره إلى سلوك طريق المتصوفة.
ومنذ وقت مبكر نصب السيوطي نفسه للدفاع عن الصوفية ورجالها، وقد رأينا اشتراكه في المعركة حول ابن الفارض وقيامه بنصرته، وإفراده لذلك مؤلفا سماه «قمع المعارض في نصرة ابن الفارض» وقد دافع كذلك عن ابن عربي وأفرد للدفاع عنه مؤلفا سماه «تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي».
وله مؤلفات أخرى في التصوف تشهد بحبه العميق لطريق المتصوفة ودفاعه عنهم، وقد ولي منذ وقت مبكر من حياته مشيخة التصوف بتربة برقوق، وقد سبق أن رأينا اتجاهه العلمي في التصوف أواخر حياته، إذ اعتزل الناس واعتكف في بيته وتجرد إلى الله، وأكب على العبادة والتأليف.
بيد أن الذي يهمنا الآن من هذا كله هو النظر في الآثار التي تركها في