للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذي يهمنا الآن هو أن نذكر أن هذه المنشآت التي أنشئت لإقامة الصوفية لم تخل من الجوانب العلمية، بل إنها جعلت- على مر الأيام- تحل محل المدرسة تدريجيا، وسنرى الآن أن بعض هذه الخوانق فضلا عن قيامها بوظيفتها الأولى وهي إيواء الصوفية وإقامة شعائرهم قد أصبحت دورا للعلم تضارع أعظم المدارس في عصرها، ووجد بها تدريس كثير من المواد الدراسية المعروفة، ولعل هذا الاتجاه العلمي للخوانق هو الذي جعل بعض المؤرخين يطلق على بعضها اسم المدرسة مرادفا للخانقاه «١»، وهو كذلك ما حدا بالسيوطي إلى أن يذكر الخوانق المصرية أثناء حديثه عن المدارس في الفصل الذي عقده عن المدارس والخوانق حيث لم يفصل المدارس عن الخوانق «٢»، مما يدل على كونها من الناحية العلمية كالمدارس سواء بسواء، وسنشير هنا إلى بعض هذه الخوانق التي تولى السيوطي مشيخة اثنتين منها.

خانقاه سعيد السعداء «٣»:

كانت دارا لرجل اسمه قنبر أو عنبر ولقبه سعيد السعداء، وهو أحد الأساتذة الذين خدموا في قصور الفاطميين وكان له شأن في دولتهم، فلما آلت سلطنة مصر إلى صلاح الدين الأيوبي وقفها على الصوفية في سنة تسع وتسعين وخمسمائة وكان شيخها يلقب بشيخ الشيوخ، وظل ينعت بهذا اللقب حتى بنى محمد بن قلاوون خانقاه سرياقوس فدعي شيخها بشيخ الشيوخ، إلى أن كانت الحوادث عام ٨٠٦ هـ وتلاشت الرتب أو فقدت شيئا من مدلولاتها فتلقب شيخ كل خانقاه بشيخ الشيوخ.

وكان سكانها من الصوفية يعرفون بالعلم والصلاح وترجى بركتهم.

وممن ولي مشيختها قاضي القضاة تاج الدين بن بنت الأعز والقاضي بدر الدين بن جماعة والقاياتي والقلقشندي.


(١) راجع ابن إياس في حديثه عن خانقاه شيخو أو المدرسة الشيخونية، بدائع الزهور ج ٣ ص ٢٢٢.
(٢) السيوطي: حسن المحاضرة ج ٢ ص ١٨٤.
(٣) المصدر السابق ج ٢ ص ١٨٧، ١٨٨، بدائع الزهور ج ١ ص ٧٢.

<<  <   >  >>