للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وضع أصول لنقد الرواية اللغوية]

بينت بالباب الأول من البحث أن السيوطي أولا وقبل كل شيء محدّث من النوع الأول يهتم بالبحث في الأسانيد ويحرص على الأمانة، ويهتم بالبحث فيما يتصل بالأحاديث من صحة وضعف وعلل وبالرواة من توثيق وتعديل، أو تجريح وتضعيف، كما قلت إن عنايته بالحديث قد طبعت منهجه وعقله بحيث ظهر تأثره به في شتى نواحي دراسته.

وفي كتاب «المزهر» نجد محاولة من السيوطي لدراسة اللغة بتطبيق منهج المحدّثين عليها، وقد صرح بذلك في مقدمته حيث قال: «هذا علم شريف ابتكرت ترتيبه، واخترعت تنويعه وتبويبه، وذلك في علوم اللغة وأنواعها، وشروط أدائها وسماعها، حاكيت به علوم الحديث في التقاسيم والأنواع، وأتيت فيه بعجائب وغرائب حسنة الابداع» «١».

والواقع أن رواية الحديث قد حظيت منذ وقت مبكر بعناية المسلمين، ونالت من الاهتمام لاتصالها بالأحكام الشرعية التي تمس عبادات الناس ومعاملاتهم ما لم يتح مثله للرواية اللغوية.

وقد اشتغلت طائفة كبيرة من المسلمين بنقل الحديث وروايته، كما ابتدأ تدوين الحديث منذ وقت مبكر ووضعت فيه المصنفات التي اعتمدت- في الغالب- على ما دون في عهد عمر بن عبد العزيز، وقد صنف في الحديث من رجال القرن الثاني الهجري الربيع بن صبيح (١٦٠ هـ)، وسعيد بن أبي عروبة (١٥٦ هـ)، وتبعهم الامام مالك الذي صنف الموطأ وتوخى فيه القوي من حديث أهل الحجاز، وصنف ابن جريج بمكة والأوزاعي بالشام وسفيان الثوري


(١) المزهر ج ١ ص ١.

<<  <   >  >>