للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالكوفة وحماد بن سلمة بالبصرة وهشيم بواسط وغيرهم، ثم تلاهم كثيرون ممن نسج على منوالهم، ثم صنف بعض الأئمة المسانيد كمسند أسد بن موسى الأموي (٢١٢ هـ)، ومسند نعيم بن حماد الخزاعي (٢٢٨ هـ)، ثم بعد فترة ظهر مسند الامام أحمد بن حنبل (٣٤١ هـ)، وتلا هذه الطبقة طبقة أصحاب الكتب الستة «١».

وإذا كانت العناية قد اتجهت إلى جمع الأحاديث وتدوينها فإن طريق ذلك كان الرواية الشفوية التي اعتمد عليها الحديث فترة من الزمن، ثم كان أصحاب الكتب يعتمدون أيضا على الرواية الشفوية ويهتمون بالنقل عن حفاظ الحديث ونقلته بعد التدوين وقد استدعى ذلك البحث عن الوسائل التي تضمن سلامة وصول الأحاديث إليهم.

وقد عرف عن الصحابة تشددهم وتحرجهم في رواية الحديث، كما عرف عن بعضهم نقدهم لبعض الروايات، فلما حدثت الفتنة وظهر أهل الأهواء الذين لم يؤمن كذبهم

في الحديث، ثم ظهر القصاص وأصحاب الأخبار بعد ذلك يحدثون الناس بأحاديث عن الكتب السابقة تفيض بالكذب والأساطير، كما ظهر التزيد عند بعض الرواة، أصبحت الحاجة ماسة إلى الاهتمام بنقد رواية الحديث، وقد اتجه هذا النقد في غالبه إلى الأسانيد ويتمثل في بحث الرواة جرحا وتعديلا وما يستتبعه من بحث أحوالهم، والبحث في الأسانيد لمعرفة عللها واتصالها أو انقطاعها، ومن هنا كانت بداية ظهور علم أصول الحديث الذي عرف عند المتأخرين بعلم مصطلح الحديث.

ولكي نعطي صورة مجملة عن تدرج مصطلح الحديث حتى وصل إلى ما وصل إليه عند المتأخرين نذكر أن الاهتمام بهذا العلم كما بينا كانت له جذوره الموغلة في القدم، وقد تكلم في الجرح والتعديل كثير من العلماء منذ وقت مبكر، وكان منهج الرواية في ذلك الحين عرفا بين المحدثين.

ويبدو أن ابن شهاب الزهري، وشعبة بن الحجاج (١٦٠ هـ) قد صنفا في


(١) السيوطي: تنوير الحوالك شرح موطأ مالك ج ١ ص ٥، ٦.

<<  <   >  >>