للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نقد الرواية، وقد ظهر بعد حين مسلم (٢٦١ هـ)، الذي صنف في علل الحديث، ثم صنف أبو محمد الرامهرمزي (٢٦٠ هـ) كتاب المحدث الفاصل بين الراوي والواعي وتبعه الحاكم النيسابوري (٤٠٥ هـ) فتصدى للتأليف في ذلك، لكنه لم يهذب ولم يرتب، وتبعه أبو نعيم الأصبهاني، ثم جاء من بعدهم الخطيب البغدادي (٤٦٣ هـ) فصنف في قوانين الرواية كتاب «الكفاية»، كما صنف في آدابها، وفي جميع فنون الحديث بحيث قيل: إن المحدثين بعده عيال على كتبه.

ويمكن أن نجد في كتاب الكفاية مصداق ما نقول من قدم الكلام في أصول الحديث والاهتمام به حيث يورد الخطيب البغدادي نقولا بأقوال كثير من المتقدمين تتصل بأصول الحديث ونقد الرواية فهو يذكر مثلا في «الخبر المتصل» نقلا يصل إلى قتادة وهو من التابعين وفيه يقول: «لا يحمل هذا الحديث عن صالح عن طالح، ولا عن طالح عن صالح، حتى يكون صالح عن صالح» «١»، ومعظم الكتاب نقول كهذا نثبت لنا كثيرا من أسماء الذين اعتنوا بنقد الحديث منذ القدم وإن لم يصنفوا فيه.

وأشهر الذين صنفوا في المصطلح من المتأخرين ابن الصلاح (٦٤٢ هـ)، ومقدمته أشهر ما كتب في المصطلح بحيث حظيت بعدد من الشروح والمختصرات، وقد لخص ابن حجر هذه المقدمة في كتابه نخبة الفكر، ويمكن أن نعتبر هذه المقدمة نهاية التدرج الذي وصل إليه مصطلح الحديث بعد استقرار مصطلحات هذا العلم ولذلك سنحاول المقارنة بينها وبين كتاب السيوطي باعتباره نهاية التدرج في الرواية اللغوية ونقدها.

اتضح لنا ما حظيت به رواية الحديث من اهتمام بالغ، وما حظي به نقد روايته من توفر كثير من الباحثين في الحديث منذ فترة مبكرة على التعرض لها وتناولها، ثم توفر كثرة منهم على التصنيف فيها، والدافع إلى ذلك- كما هو معروف- هو اتصال الأحاديث بالدين واعتماد التشريع عليها، وظهور أهل


(١) الكفاية في علم الرواية ص ٢٠.

<<  <   >  >>