وبالرغم من أن جميع الأبحاث التي تناولها السيوطي درست عند العرب من قبله وتناولها اللغويون أو الأصوليون، فإن أحدهم لم يتصدّ لدراسة هذا الفن كله، ولم يستوعب أحدهم نظريات العلم ويتناولها بحديث جامع منظم الأبواب، بل تكلم هذا في ناحية أو بعض النواحي وذاك في أخرى، فلم يجتمع شتات هذا الفن ولم يلتئم شمله.
وقد حاول السيوطي في كتابه أن يجمع هذا الشتات، وقد امتاز عن سابقيه من اللغويين باهتمامه الكبير بأبحاث الأصوليين السابقين في دراسة اللغة، وهذا يدل على بعد نظره ودقة منهجه فبحث الأصوليين للغة أدق وأوفى من بحث اللغويين أنفسهم، وكانت كتب اللغويين تغفل في أحيان كثيرة جهود الأصوليين، فجاء كتاب السيوطي جامعا لأبحاث الفريقين يلائم بين أجزاء الشمل، ويقيم مما تفرق أبوابا ومباحث لها كيانها المستقل ثم ينتهي به الأمر إلى أن يجعل من هذه المباحث علما له كيانه المستقل، وهذا بغير شك جهد عظيم وابتكار لا ينكر، وجرأة على ما أحجم عنه السابقون، وقد نجح في عمله نجاحا يغبط عليه وسيتضح لنا بعد مصداق ما قدمنا.
[منهج السيوطي في المزهر:]
أريد هنا أن أتناول باجمال كتاب المزهر، وأهم الجوانب التي تحدد منهج صاحبه هي مصادر الكتاب، ثم طريقته في النقل والعرض وكيفية تقسيم الكتاب، وذلك يحدد لنا معالم منهج المؤلف وينتهي بنا إلى الحديث عن منهج المحدثين ومحاولة السيوطي تطبيقه على اللغة ودراستها من خلاله وسنبين ذلك فيما بعد.
وقد عرضت من قبل لتدرج الدراسات اللغوية قبل السيوطي وبينت أنواع المصنفات التي سبقته، وأستطيع القول بأن معظم كتب اللغة السابقة سواء نتجت عن البيئة اللغوية أو عن بيئة الأصوليين فقهائهم ومتكلميهم كل أولئك