أشرنا من قبل إلى المكانة التي احتلتها مصر بين دول العالم الاسلامي، وإلى المنزلة التي تبوأتها القاهرة بعد سقوط بغداد.
والنشاط العقلي غالبا ما يرتبط بألوان النشاط الأخرى في بيئة ما، فيزدهر بازدهارها ويخمل بخمولها، إذ إن عناصر الحياة والنماء في سائر الأنشطة متصلة الأسباب مختلطة الأمشاج.
وقد شهدت مصر قبيل سقوط بغداد حركة علمية نشطة في العصر الأيوبي، وقد شجع ملوك بني أيوب هذه الحركة وبعثوا فيها الحياة والنشاط وكان هدفهم من ذلك بعث المذهب السني في البلاد وإحيائه والقضاء على ما خلف الفاطميون من آثار التشيع.
وقد عرف كثير من ملوك الأيوبيين بميلهم إلى العلم ومشاركتهم فيه، وإغداقهم على العلماء وتكريمهم، فكان صلاح الدين شديد الكلف بعلوم الدين، وكان يحضر مع أبنائه دروس الحافظ السلفي بالاسكندرية، كما سمع من غيره وحضر كثيرا من مجالس العلماء المشهورين «١»، وقد سلك ملوك بني أيوب مسلك صلاح الدّين في تشجيع العلم وتقريب العلماء، وقد أنشأ صلاح الدين عديدا من المدارس لنشر المذهب السني ولم يكن بالبلاد مدارس قبل ذلك، فابتنى مدرسة بالقرافة الصغرى بجوار الامام الشافعي، وأنشأ أخرى بجوار المشهد الحسيني، وأقام ثالثة وخصصها للحنفية وقد عرفت هذه في عهد السيوطي بالسيوفية، كما خصص للشافعية مدرسة عرفت بزين التجار وكانت
(١) د. عبد اللطيف حمزة: الحركة الفكرية في مصر ص ١٤٩.