للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سلك الصوفية، وقد عرف الصوفية بالتساهل في رواية الحديث، وفي رواية أخبار صلحائهم وكراماتهم، ولم يعتد الفقهاء بما يشتهر على ألسنة العامة من كرامات الأولياء أو بما يشتهر على ألسنة الصوفية فكثير منهم يجهل شروط صحة النقل، وكثير منهم يروي ما يسمعه ويحسن الظن بناقله، ولقد كان ذلك سببا في قول بعض علماء الحديث «إن من إخواننا من نرجو بركة دعائه، ولو شهد عندنا بشهادة ما قبلناها» «١».

وقد حذر رجال الحديث منذ القدم من الرواية عمن عرف بالصلاح إذا لم يكن من أهل الضبط والدراية وقال قائلهم: «ما رأيت الصالحين في شيء أشدّ فتنة منهم في الحديث» «٢». بيد أنه للانصاف فإننا ينبغي أن نأخذ أنفسنا بشيء من التحفظ في وصف السيوطي بالتساهل في قبول بعض المرويات، فهو ينقل ما ينقله بأمانة وينص على كونه ضعيفا أو مرفوعا أو موقوفا أو أن بعض النقلة غير موثق، ولا يخفي شيئا من هذه الأوصاف، فهو من ناحية البحث العلمي يقدم لنا الوصف الصحيح، ولكنه تأثرا بتصوفه يميل بقلبه إلى قبول ما يرويه والدفاع عنه في بعض الأحيان برغم أن كثيرا من هذه الأخبار في مرتبة الضعيف أو الغريب ولم ترتق إلى الحسن أو الصحة كما أن كثيرا منها موضوع. وهو يحاول- أحيانا- أن يجد لبعض الموضوعات مدّخلا في قسم الضعيف.

[السيوطي الفقيه:]

بلغ السيوطي درجة الاجتهاد في الفقه، وقد طبقت فتاواه الفقهية أرجاء العالم الاسلامي في حياته، وتشهد آثاره الفقهية بمقدرته، وقد كان شافعي المذهب، وبالرغم من بلوغه درجة الاجتهاد المطلق فإنه كان في فتاواه يفتي بمذهب الشافعي، وقد تولى تصدير الفقه بالجامع الشيخوني مكان أبيه منذ وقت مبكر في حياته.

ودراسة الفقه ومعاناته تربط صاحبه بالبيئة التي يعيش فيها، وتجعله على


(١) الخطيب البغدادي: الكفاية في علم الرواية ص ١٥٨.
(٢) المصدر السابق ص ١٥٨، انظر ص ١٥٨ - ١٦١.

<<  <   >  >>