للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأهواء، ووجود الدواعي إلى الكذب التي حاول المحدثون الابتعاد عنها وتنقية أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم من شوائب الوضاعين والكذابين.

ذلك كان شأن رواية الحديث وشأن أصوله ونقد روايته حتى وصلت إلى مصطلح معروف لدى القوم حاول السيوطي أن يدرس اللغة وروايتها وأن يقسمها على نمطه فماذا كان من أمر رواية اللغة ونقدها قبل السيوطي؟ ثم ما هو الجهد الذي قام به السيوطي؟ وإلى أي مدى من النجاح بلغت محاولته؟

وقد حظيت رواية الأدب واللغة بعناية الرواة منذ القدم، ورواية الأشعار في الجاهلية والاسلام، وكثرة الرواة وقوة حفظهم أمور معروفة ومشهورة، أما نقد هذه الرواية فقد حدث بشكل ملحوظ في عصور التدوين فقد لاحظ الخليل أن «النحارير ربما أدخلوا على الناس ما ليس في كلام العرب إرادة اللبس والتعنيت» «١»، كما لاحظ القدماء افتعال الشعر من قبل بعض الرواة ونسبته إلى غير قائليه، ويعطي ابن سلام في مقدمته صورة للانتحال في الشعر وما قام به محمد بن إسحاق من تحمله لكثير من المصنوع المفتعل «٢»، وقد بين ابن سلام في مقدمته دوافع انتحال الشعر وذكر أن أهل البصيرة بالشعر يستطيعون أن يميزوا صحيحه من المصنوع الذي افتعله الرواة، ويعد ابن سلام بذلك من أقدم من تكلم في نقد الرواية اللغوية.

والواقع أن الذي يهم اللغويين بعد حديث الافتعال والانتحال في الشعر وكذب بعض الرواة هو أن يثبتوا أن ما يحتجون به منسوب إلى الفترة التي يحتج بأشعار شعرائها وبأقوال متكلميها، وليس من الضروري عند اللغويين بعد ذلك تعيين القائلين بأعيانهم، وإنما ذلك بغية دارسي الأدب، وهذه الفترة قد استقر العرف بين اللغويين على أن تمتد إلى منتصف القرن الثاني في الرواية عن فصحاء الحواضر، وإلى منتصف القرن الرابع في الرواية عن أهل البادية.

والواقع أنه إلى ذلك الحين لم يحظ نقد الرواية اللغوية وما يتصل بها من


(١) ابن فارس: الصاحبي في فقه اللغة ص ٣٠.
(٢) ابن سلام: مقدمة طبقات فحول الشعراء ص ٥، ٨، ٩.

<<  <   >  >>