للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد سبق لكثير من اللغويين أن صنفوا فيها، وقد نص السيوطي على ذلك، بيد أن البحوث السابقة لم تتناول الطبقات من زاوية النقد للرواية اللغوية فلم تهتم بالحديث عن رجال اللغة جرحا وتعديلا بقدر ما كانت تهدف إلى التعريف المجمل بهم، كما أن بحث السيوطي للرواة مقسمين إلى حفاظ وثقات وضعفاء لم يسبق إليه في ميدان اللغة ببحوث مستقلة، وإنما كان ما سبقه عرفا جاريا بين اللغويين غير مكتوب، أو شذرات متناثرة وأقوالا متفرقة باستثناء ما قام به أبو الطيب اللغوي في كتابه الذي وثق فيه كبار رجال اللغة كأبي عمر بن العلاء وأبي زيد وأبي عبيدة وغيرهم، ولذلك اعتمد السيوطي في بحثه اعتمادا كبيرا على كتاب المراتب فنقل كثيرا من صفحاته الخاصة بتوثيق كبار الرواة وهي التي تناول فيها أبو الطيب التعريف بأئمة اللغة ونقلتها ابتداء من أبي الأسود وتلامذته وأبي عمرو إلى ابن قسطنطين، وقد وثق أبو الطيب جماعة كثيرة من رجال اللغة وضعف آخرين، وقد لخص عنه السيوطي بطريقته التي سبق بيانها أخبار عدد منهم ينيف على الستين من رجال اللغة على ترتيبهم الزمني الذي راعاه أبو الطيب.

وقد أتبع ما نقله عن كتاب المراتب بنقل آخر عن الخصائص لابن جني الذي تحدث فيه تحت عنوان «صدق النقلة وثقة الرواة والحملة» «١»، حيث وثق رواة اللغة الأولين وأثنى عليهم، فبين صدق أبي عمرو بن العلاء وتحرجه في الرواية، وصدق الأصمعي وما عرف عنه من شدة تحرج في الرواية، وكذلك حال أبي زيد وأبي عبيدة وأبي الحسن والكسائي وأضرابهم، وقد أفاض ابن جني في الحديث عنهم نافيا كل ظنة ومبينا ما اتصفوا به من خلق قويم، وما كانوا عليه من الثقة والأمانة والصدق.

وقد نقل السيوطي هذا المبحث بفصه ونصه هنا وقرنه بما نقله عن أبي الطيب، فهذا الفصل اعتمد فيه على هذين النقلين، وليس له فيه غير ما علق به على عبارة لأبي الطيب في نقد أبي عبيد صاحب الغريب المصنف حيث ذكر


(١) الخصائص ج ٣ ص ٣٠٩.

<<  <   >  >>