للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو بهذا يعني نظر النقاد في المتون اللغوية ونقدها نقدا داخليا بعد فحص الأسلوب وخصائصه فحصا يتبين لهم منه صحيحها من زائفها، وابن سلام يقرر أن ذلك إنما يدركه أهل البصر بالشعر «وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات منها ما تثقفه العين ومنها ما تثقفه الأذن، ومنها ما تثقفه اليد، ومنها ما يثقفه اللسان» «١».

وقد تناول النحاة المادة اللغوية بالنقد، ونقدهم لها شبيه بصنيع علماء الحديث رواية من الفقهاء وغيرهم فيما يتصل بالحديث.

ويتمثل نقد النحاة في الترجيح بين الروايات، فإذا وردت روايتان مختلفتان لنص واحد فإن النقد يتناول حينئذ النص المروي وذلك بعرضه على الظواهر اللغوية المطردة والأصول المعروفة، فتقبل الرواية التي توافق المطرد، وترفض الأخرى، وذلك مثل أن يستدل الكوفي على إعمال «أن» مع الحذف من غير عوض بقول الشاعر:

ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي

فيقول له البصري: الرواية أحضر بالرفع وهو القياس «٢».

ويتناول اللغويون بالنقد الداخلي ما ينفرد به عربي ممن يحتج بقولهم، وفي هذه الحال ينظر فيما تفرد به القائل بعد التأكد من فصاحته وصحة الاحتجاج بقوله:

١ - «فإذا كان ما تفرد به مما يقبله القياس إلا أنه لم يرد به استعمال فان الأولى أن يحسن الظن به وأن يقبل» «٣».

٢ - «إن لم يكن القياس مسوغا له كرفع المفعول وجر الفاعل ورفع المضاف إليه فينبغي أن يرد، وذلك لأنه جاء مخالفا للقياس والسماع جميعا، فلم يبق له عصمة تضيفه، ولا مسكة تجمع شعاعه» «٤».


(١) طبقات فحول الشعراء ص ٦.
(٢) ابن الأنباري: الاغراب في جدل الاعراب ص ٦٧.
(٣) الخصائص ج ١ ص ٣٨٥.
(٤) الخصائص ج ١ ص ٣٨٧.

<<  <   >  >>