للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى لا ينطق بسواه «١»، وهم بذلك يرون جواز الاصطلاح، وبعض من قال بالتوقيف يراه في بداية نشأة اللغة، أما في مراحل نموها فهي اصطلاح، والمحققون من القدماء يتوقفون في هذه المسألة فلا يقولون بالتوقيف ولا بالمواضعة.

وقد نقل السيوطي في بيان الحكمة الداعية إلى وضع اللغة ما يفيد تقدير المسلمين للوظيفة الاجتماعية للغة وإقراره لذلك فهو ينقل عن الكيا الهراسي أن اللغة إنما تنشأ في المجتمع وأن الانسان مدني بطبعه، والتوحش دأب السباع، وهو ينتهي إلى ما تنتهي إليه البحوث الحديثة من أن اللغة وظيفة انسانية وظاهرة اجتماعية «٢»، وهذا ما أكده بوضوح الفخر الرازي فيما نقله عنه السيوطي إذ يقول «السبب في وضع الألفاظ أن الانسان الواحد وحده لا يستقل بجميع حاجاته، بل لا بد من التعاون، ولا تعاون إلا بالتعارف، ولا تعارف إلا بأسباب كحركات أو إشارات أو نقوش أو ألفاظ توضع بإزاء المقاصد، وأيسرها وأعمها وأفيدها الألفاظ ... فلما كانت الألفاظ أيسر وأفيد وأعم صارت موضوعة بازاء المعاني «٣». والرازي بهذا يصل بين تحديد اللغة بالألفاظ الموضوعة للمعاني وبين وظيفة اللغة في المجتمع وصلتها به.

أما عن طبيعة اللغة فقد فهم اللغويون العرب لغتهم على أنها كائن حي متطور ولذلك فقد قدروا حاجتها إلى الاختراع والتوليد والاشتقاق بتجدد الحياة وتجدد المعاني،

كما تحدثوا عن الممات من الألفاظ والمولد منها وما ذلك إلا تقديرا لهذه الحياة الدافقة في اللغة، ودراستهم للمجاز تمثل إدراكا واعيا للتغير الدلالي، وهكذا فإنهم قد تناولوا مظاهر التغير اللغوي المتنوعة بما يعني إدراكهم لطبيعة اللغة.

وقد كان للمسلمين عناية تامّة بالدرس الصوتي باعتباره عاملا من أهم عوامل المحافظة على الأداء القرآني، ولقد تطورت هذه الدراسة على أيدي


(١) المزهر ج ١ ص ٢٦.
(٢) المزهر ج ١ ص ٣٦.
(٣) المصدر السابق ج ١ ص ٣٨.

<<  <   >  >>