إحداها موقفه من الاحتجاج بالحديث في اللغة، والمعروف أن النحاة الأقدمين لم يستشهدوا بالحديث نظرا لوفرة المادّة اللغوية التي انصرفوا إليها ومنها البادية التي كانت معينا لا ينضب من اللغة المنطوقة الفصيحة إلى منتصف القرن الرابع الهجري، أما المتأخرون من النحاة فتنوعت مواقفهم، فمنهم من يجيز الاحتجاج مطلقا كابن مالك، ومنهم من يمنعه مطلقا كأبي حيان، ومنهم من يتوسط بين المذهبين كالشاطبي فيقيد الاحتجاج بأحاديث لها شروط معينة تضمن سلامتها.
وقد وقف السيوطي موقفا وسطا يبدو منه أنه يبيح الاحتجاج بالحديث في نفس الوقت الذي يضع فيه اعتبارا لما حدث لبعض الأحاديث من تحريف من قبل الرواة يجعلها غير مقبولة في الاحتجاج، فقد أجاب عن حديث:«كما تكونوا يولي عليكم» حيث سئل عن حذف النون دون ناصب أو جازم بتخريجه على ثلاثة أوجه: «أحدها أنه على لغة من يحذف النون دون ناصب وجازم كقول الشاعر:
أبيت أسري وتبيتي تدلكي، وخرج على هذه اللغة من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:
«لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا»، الثاني: وهو رأي الكوفيين والمبرد أنه منصوب أورده شاهدا على مذهبهم أن «كما» تنصب وعدوها من نواصب المضارع وهو مذهب ضعيف، والثالث: أنه من تغيير الرواة» «١».
وإذا كان السيوطي هنا يتردد بين تأويل هذا الحديث وتوجيهه وبين نفي صحة عربيته فهذا يعني أنه لا يحتج بالأحاديث مطلقا وإنما يقف فيها موقفا وسطا، ولو كان ممن يحتجون بها مطلقا لاكتفى بذكر الوجهين الأول والثاني أو بأحدهما، فالنحاة إنما يتأولون من النصوص ما هو معتمد عندهم في الاحتجاج.
ونستطيع أن نلمح مظاهر الاتساق في مذهب السيوطي النحوي من اتفاق أقواله وتعاضدها في كتبه المتنوعة، وفي إحدى هذه الفتاوى ينتقد تعريف اللفظ بأنه «الصوت المشتمل على بعض الحروف» لأنه تعريف غير جامع يخرج عنه الحرف الواحد كواو العطف وفائه وباء الجر ولامه، والأحسن تعريف اللفظ بأنه