للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي عام ٨٩٧ هـ كان ثالث الأوبئة في عهد قايتباي، ويبدو أن الناس قد ألفوا هذه الأوبئة التي تنتاب البلاد والعباد بين حين وآخر، حتى اعتبروا أن مدة خمس عشرة سنة بين الوباءين فترة طويلة «١».

وكان اعتقادهم أن حلول الطواعين إنما يكون بسبب ما أحدثوا في دينهم من الفساد، ويعبر ابن اياس عن ذلك بقوله: ان الطاعون «كان في مدة انقطاعه عن مصر كثر بها الزنا واللواط وشرب الخمر وأكل الربا وجور المماليك في حق الناس» «٢».

وكان هذا الطاعون أشد من سابقيه إذ يذكر أن من مات به بمدينة القاهرة وحدها يقدر بمائتي ألف «٣»، ويؤكد السيوطي ذلك حيث يذكر أنه «ذهب فيه من القاهرة النصف أو أشد» «٤». ولا نلبث أن نجد بعد قليل أخبار طاعون رابع حدث بعد وفاة قايتباي وفي حياة السيوطي أيضا وذلك في عام ٩٠٣ هـ، وقد مات فيه «من المماليك والأطفال والعبيد والجواري جانب» «٥»، ومات فيه من هؤلاء قرابة ثمانية آلاف فضلا عن موت جماعة من الأعيان، هذا إلى جانب ما يقدر بمائتي ألف إنسان بالقاهرة، وقد مكث بالمدينة نحوا من ثلاثة أشهر «٦».

والذي يحق أن نقوله هو أن البلاد المصرية لم تكن أسوأ بكثير من غيرها في الاصابة بالأوبئة، بل كثيرا ما كانت هذه الأوبئة تنتاب كثيرا من بلاد العالم «٧»، ولكن يبدو أن إصابة البلاد المصرية وفعل الأوبئة بها كان أكثر قوة ووضوحا نظرا لكثرة السكان، ولم يكن في مقدور الناس ومستواهم آنذاك حكاما أو محكومين أن يفعلوا شيئا،

بل كان مشهورا عند كثير من علماء ذلك العصر أن الطواعين


(١) السيوطي: المقامة الطاعونية، مقامات السيوطي ص ٦٩.
(٢) ابن إياس: بدائع الزهور ج ٢ ص ٢٧٣.
(٣) المصدر السابق ج ٢ ص ٢٧٥.
(٤) مقامات السيوطي: المقامة الطاعونية ص ٧٠.
(٥) ابن إياس: بدائع الزهور ج ٢ ص ٣٣٩.
(٦) المصدر السابق: ج ٢ ص ٣٤٠، ٣٤١.
(٧) المقامة الطاعونية.

<<  <   >  >>