عملاً إن أحدهم ليتلو القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفاً وقد أسقط العمل به.
وفي حديث ابن عمر وحديث جندب لقد عشنا برهة من دهرنا وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن فتنزل السورة على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنتعلم حلالها وحرامها وأمرها وزجرها وما ينبغي أن يقف عليه منها كما تعلمون أنتم القرآن، ثم بعد لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرآ ما بين فاتحته إلى خاتمته لا يدري ما أمره ولا زجره ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه فينثره نثر الدقل وهذا كما قال لأن المراد والمقصود بالقرآن الائتمار لأوامره والانتهاء عن زواجره إذ حفظ حدوده مفترض ومسؤول عنه العبد ومعاقب عليه وليس حفظ حروفه فريضة ولا عقاب على العبد إذا لم يحفظ ما وسعه منه قال الله عزّ وجلّ:(إنَّا سَنُلْقي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقيلاً) المزمل: ٥ أي العمل به ثقيل وإلا فقد يسره للذكرى، ومن ذلك الخبر المأثور عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم ولانت له جلودكم فإذا اختلفتم فلستم تقرؤونه وفي بعضها فإذا اختلفتم فقوموا عنه.
وحدثني شيخ فاضل قرأت عليه القرآن قال: قرأت القرآن على شيخ لي فلما ختمت رجعت إليه لأقرأ فانتهرني وقال: جعلت القرآن عليّ عملاً اذهب فأقرأ على الله عزّ وجلّ فانظر ماذا يسمعك منه ويفهمك عنه وقد كان من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من لا يحفظ إلا الجزئ والجزءَين والسور المعدودة وسورتين وكان من يحفظ الحزب منه وهو السبع أو البقرة والأنعام علماً فيهم، وقبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عشرين ألف صحابي لم يقرؤوا القرآن غير نظر فلم يحفظ القرآن كله منهم إلا ستة اختلف منهم في اثنين، وقال بعضهم: ولم يكن جمعه من الخلفاء الأربعة أحد، وختم ابن عباس على أبي بن كعب وقرأ عبد الرحمن ابن عوف على ابن عباس وقرأ عثمان بن عفان على زيد بن ثابت وقرأ أهل الصفة على أبي هريرة، وكلهم كان متبعاً لأوامره مجتنباً لزواجره عالماً به فقيهاً فيه، وقال يوسف بن أسباط: وقد قيل له إذا ختمت القرآن بأي شيء تدعو؟ فقال بأي شيء أدعو أستغفر الله عزّ وجلّ مائة مرة من تلاوتي، وكان يقول: إني لأهم بقراءة القرآن فإذا ذكرت ما فيه خشيت المقت فأعدل إلى التسبيح والإستغفار وأعلم أن للعبد في قراءة القرآن بحسب ما له من تعظيمه والفهم له والمشاهدة منه والمعاملة به لأنه من أكبر شعائر الله في خلقه وأعظم آياته في أرضه الدالات عليه وأسبغ نعمه الكاملة علينا وللعبد من التعظيم له بقدر تقواه، وله من فهم الخطاب وتعظيم الكلام على نحو ما أعطي من معرفة المتكلم وهيبته وإجلاله فإذا عظم المتكلم في قلبه وكبر في فهمه أنعم تدبر كلامه وأطال الفكر في خطابه وأكثر ترداده وتكريره على قلبه وأسرع بذكره عند النازلة به والحاجة إليه فاتقى وحذى ولذلك قال سبحانه:(وَاذْكُرُوا مَا فيهِ لَعَلَكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة: ٦٣ وقال كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ولعلهم يتذكرون لأن كل