للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لتنفرد النية بقصدها، ويخلص العمل بانفراد النية لوجه الواحد الفرد المقصود بها، يروى عن بعضهم قال: غزوت في البحرفعرض بعضنا مخلاة فقلت: اشتريها وانتفع بها في غزاتي، فإذا دخلت مدينة كذا بعتها فربحت فيها، فاشتريتها فرأيت تلك الليلة في النوم كأنّ شخصين نزلا من السماء فقال أحدهما لصاحبه: أكتب الغزاة فأملي عليه، أكتب: خرج فلان متنزهًا وفلان مرائيًا وفلان تاجرًا وفلان في سبيل الله، ثم نظر إليّ فقال: أكتب: خرج فلان تاجرًا، فقلت: اللّّه الله فيّ واللّّه ما خرجت أتجر ولا معي تجارة أتجر فيها، ما خرجت إلاّ للغزو، فقال لي: يا شيخ قد اشتريت أمس مخلاة تريد أن تربح فيها فبكيت وقلت لا تكتبوني تاجرًا فنظر إلى صاحبه وقال: ما ترى؟ فقال: أكتب: خرج فلان غازيًا إلاّ أنه اشترى في طريقه مخلاة ليربح فيها حتى يحكم الله عزّ وجلّ فيه ما يرى.

[فصل]

ومن المناقص المشبهة للفضائل الملتبسة على الأفاضل، لشهرة فضلها وروعة الهموم للدخول فيها، والتصبر عليها، وهي منكشفة للعلماء بالله تعالى: ما روي أنّ رجلين تآخيا في الله عزّ وجلّ بعد رفع عيسى بن مريم إلى السماء فترهب أحدهما وهو سرجس ولزم أخوه الآخر الجماعة والمساجد ومخالطة الناس، وكان أعلم منه بالله عزّ وجلّ، وكان يلقى آخاه سرجس فيقول: يا أخي إنّ هذا الأمر الذي دخلت فيه بدعة، وإنّ عليك فيه رعاية لا تقوم بحقها، وإنه ليس لله فيه رضا، فلو دخلت معي في الجماعة والإلفة كان ذلك لله تعالى رضًا وأصبت السنّة، فكان المترهب يعرض عنه ولا يعبأ برأيه ويقول له: إنك قد ركنت إلى الدنيا وأنست بالخلق، فلما أعياه قال له: فاجعل فطرك عندي الليلة حتى يتبين ذلك ففعل فقدم إليه فرخين شواهما وقال له: تعال حتى نجعل هذين الفرخين قاضيين بيننا قال: حتى يدعو الله كل واحد منا، فمن كان سيرته وهديه أحبّ إلى الله ورسوله يبعث بدعائه هذين الفرخين حتى يطيرا حييّن، قال: نعم فادع أنت، فدعا الراهب فقال: اللهم إنْ كان هذا الأمر الذي دخلت فيه أريد به رضاك أقرب إلى الحق مما يدعوني إليه أخي هذا فابعث هذين الفرخين إليّ قال: فلم يجب، فقال الآخر: اللهم إن كان هذا الأمر الذي تمسكت به وخالفت فيه هذا وأصحابه أقرب إلى الحق وأرضاهما عندك مما يدعوني إليه، أخي هذا من الاعتزال والفرقة للجماعة، فابعث لي هذين الفرخين قال: فصارا حييّن فطارا بإذن الله تعالى فعلم الأخ أنّ ذلك ليس لله رضا فرجع إلى الجماعة والمساجد، ومن التباس الفضائل العالية ترك العبد حاله في مقامه طلبًا للفضيلة ليزداد بها قربًا إلى الله عزّ وجلّ فينقلب عليه فيهلك ما أدخل العدو على برصيصًا العابد في تعليم الاسم الأعظم وقصته مشهورة، فالعالم عند العلماء من علم خير الخيرين فسبق إليه قبل فوته وعلم شرّ الخيرين فأعرض عنه لئلا يشغله عن الأخير منها، وعلم أيضاً خير الشرين ففعله

<<  <  ج: ص:  >  >>