وقال بعض العلماء: لا يكون إماماً من حدث الناس بكل ما علمه وأظهر لهم نصيبه وكان يحيى بن معاذ يقول: لا تخرج أحداً من طريقه ولا تخاطبه بغير علمه فتتعب، ولكن أغرف له من نهره، واسقه بكأسه.
وسئل بعض العلماء عن العارف، هل يستوحش من الخلق؟ قال: لا يستوحش، ولكن قد يكون نفوراً، قيل: فهل يستوحش منه؟ فقال العارف لا يستوحش منه، ولكن قد يهاب.
ومما يدلك أن الخوف اسم لحقيقة العلم أن في قراءة أبي بن كعب في قوله تعالى:(فَخَشِيْنَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا) الكهف: ٨٠ فخاف ربك أن يرهقهما.
وقال يحيى بن زياد النحوي: ومعناه فعلم ربك، وقال: الخوف من أسماء العلم والله أعلم.
[بيان آخر في معنى الخوف]
والخوف أيضاً من أسماء المعاني، فوجوده بانتفاء ضده فإذا عدم من القلب الأمن من كل وجه من أحوال الدنيا وأمور الآخرة؛ فلم يأمن مكر الله تعالى في كل الأحوال، في تصريف أحكام الدنيا وتقليب حركات القلوب والنفوس، وجواذب الشهوات، وإثارة طبائع العادات، ولم يسكن إلى عرف ولا اعتياد، ولم يقطع بسلامته وبراءته في شيء كان هذا خوفاً، وسمى العبد بفقد الأمن من جميع ذلك خائفاً، فهذا مستعمل فاش في كلام العرب، ومذهبهم، يقول أحدهم: أخاف من كذا إذا لم يأمنه، أو أخاف أن يكون كذا إذا تحقق علمه.
وقيل لبعض العلماء: ما بال العارف يخاف في كل حال؟ فقال: لعلمه أن الله تعالى قد يأخذ في جميع الأحوال.
ثم إن للخائفين بعد هذا طرقاً ووجهة من قبل الخوف المقلق والإشفاق المزعج، والوجل المحرق، وهي مجاوزات للطرق السابلة التي هي محاج للأئمة المختارة الفاضلة، وفيها متاوه ومهالك، نقلت عنها العلماء السادة، والصفوة المختارة، إلا أنه قد سلك ببعض الزهاد والعباد فيها وأريد بعض العارفين بها ليست بمفضلة كل ذلك عن العلماء، ولا بمتنافس فيها مغبوط عليها عند العارفين، لأنها قد تخرج من طرقات المسالك إلى مفاوز المهالك، وإنما أريد ببعضهم التعريف لها والاطلاع عليها، ومنهم من أريد منه التيه والوله فيها إلا أنها أشهر في أسماع العامة وأعجب وأهول عند العموم.
[ذكر تفصيل هذه المخاوف]
اعلم أن للخوف سبع مفائض تفيض إليها من القلب، فإلى أي مفيض فاض من