في كلّ شيء، وقوة اليقين تحتاج إليه في كلّ عمل وإلا فهو دنيا يهتدي إلىه بنور العقل، فمن لم يعط نور اليقين لم يرَ الملك الكبير فاستهواه الملك الصغير فأحبّ لا شيء فلم تكن همّته في العلوّ ولا عنده الأعلى شيئًا.
[ذكر ماهية الزهد]
أيّ شيء هو ليس يمكن عبد أن يعرف الزهد حتى يعرف الدنيا أيّ شيء هي، فقد قال الناس في الزهد أشياء كثيرة ونحن غير محتاجين إلى ذكر أقوالهم بما بيّن الله تعالى وأغنى بكتابه الذي جعل فيه الشفاء والغنى، وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هو الحبل المتين والصراط المستقيم من طلب الهدى في غيره أضلّه الله وقال سبحانه تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فيهِ مِنْ شيء فحُكْمُهُ إلى الله) الشورى: ١٠ وقال عزّ وعلاّ: (فَهَدى الله الّذينَ آمَنُوا لِمَا اختَلَفُوا فيهِ مِنَ الْحَقِّ بإذْنِه) البقرة: ٢١٣ فقد ذكر الله جلّ اسمه في كتابه: إن الدنيا سبعة أشياء وهو قوله تعالى: (زُيَِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهَوَاتِ مِنَ النِّساء والْبَنينَ والْقنَاطير المُقَنطرةِ من الذَّهبِ والْفَضَّةِ وَالْخيْلِ المُسَوَّمَةِ والأنْعامِ وَالْحرْثِ) آل عمران: ١٤
ثم قال تعالى في آخرها:(ذلِك مَتَاعُ الْحَياةِ الدُّنيا) آل عمران: ١٤ ووصف حبّ الشهوات بالتزيّن ثم نسق الأوصاف السبعة على الحبّ لها ثم أشار لها، بقوله تعالى ذلك فذا إشارة إلى الكاف والكاف كناية عن المذكورالمتقدّم المنسوق واللام بين ذا والكاف للتمكين والتوكيد فحصل من تدبر الخطاب أن هذه السبعة جملة الدنيا وأن هذه الدنيا هذه الأوصاف السبعة، وما تفرع من الشهوات ردّ إلى أصل من هذه الجمل، فمن أحبّ جميعها فقد أحبّ جملة الدنيا نهاية الحبّ ومن أحبّ أصلاً منها أو فرعًا من أصل فقد أحبّ بعض الدنيا فعلمنا بنص الكلام أن الشهوة دنيا وفهمنا من دليله أن الحاجات ليست بدنيا لأنه تقع ضرورات فإذا لم تكن الحاجة دنيا دلّ أنه لا تسمّى شهوة، وإن كانت قد تشتهى لأن الشهوة دنيا، ولتفرقة الأسماء لإيقاع الأحكام عليها، واستند ذلك إلى خبر رويناه عن الله سبحانه وتعالى في الإسرائيليات: إن إبراهيم صلوات الله عليه أصابته حاجة فذهب إلى صديق يستقرض منه شيئاً فلم يقرضه فرجع مغمومًاً فأوحى الله تعالى إلىّه: لو سألت خليلك لأعطاك فقال: يا ربّ عرفت مقتك للدنيا فخشيت أن أسألك منها فتمقتني فأوحى الله تعالى إلىه: ليس الحاجة من الدنيا ثم سمعناه تعالى وجلّ قد ردّ هذه السبعة الأوصاف في مكان آخر إلى خمسة معانٍ فقال جلّ من قائل: (اعملوا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر) فهذه الخمسة هي وصف من أحبّ تلك السبعة، ثم اختصر الخمسة في معنيين منها